تجاوزات ... استقواء النقابات على الإدارة ... " كونترا " للحساب الخاص وغيرها : ماذا يحدث في الشركة التونسية للملاحة ؟

تجاوزات ... استقواء  النقابات على الإدارة ... " كونترا " للحساب الخاص وغيرها : ماذا يحدث في الشركة التونسية للملاحة ؟

 

يبدو أن حالة التسيّب التي تعيشها البلاد منذ 14 جانفي 2011 لم تستثن أي قطاع مهما علا شأنه أو صغر. وعندما نتحدث عن  " التسيب الشامل "  فإننا نقصد أيضا كل ما يترتّب عنه من تصرفات غريبة  لا يوجد ما يبررها  بأي شكل من الأشكال .
وفي هذا السياق لنا اليوم أن نتحدث عن واحدة من أعرق الشركات التونسية التي تلعب دورا أساسيا في الاقتصاد الوطني بالرغم من أن أغلب الناس لا يعرفون هذا الدور... هي الشركة التونسية للملاحة التي كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة  لكن يبدو أنه لا أحد من مسؤولي هذه البلاد تجرّأ على فتح الملفات فيها وما أكثر تلك الملفات .
من أين له هذا ؟
الكل يتذكّر حادثة  يوم 31 ديسمبر الماضي  . فعند وصول باخرة " تانيت "  إلى ميناء نابولي الإيطالي اتضح أن أحد العاملين على أحد مراكب الشركة (  بحّار في الاستعمال المألوف ) مفتّش عنه من قبل البوليس الدولي ( الأنتربول ) بسبب تورّطه في عمليات مشبوهة  تخص تجارة الممنوعات . وعلى الفور ألقي عليه القبض وتسبب ذلك في تعطيل نزول المسافرين الذين وصلوا في ذلك اليوم إلى نابولي في رحلى ترفيهية بمناسبة رأس السنة الميلادية . وبعد  إيقافه أودع السجن  لمدة ناهزت 3 أشهر ثم أفرج عنه بكفالة  يقال إنها ناهزت 230 ألف أورو أي ما يعادل حوالي 500 الف دينار ... وهنا طرحت العديد من الأسئلة لعلّ أهمّها : من دفع له هذه الكفالة ومن أين له كل هذه الأموال حتى يتمكّن من تسديد غرامة بهذا القدر؟.
أما الأغرب من كل هذا وعوض أن يتم اتخاذ إجراءات تأديبية ضدّه عندما عاد إلى تونس خصوصا أنه محل اتهامات عديدة  وجد  " السيّد " نفسه مبجّلا مكرّما ... يواصل عمله بصفة عادية  وكأن شيئا لم يكن  لأن البعض تستّر عليه على ما يبدو و قدّم للإدارة  ملفّا طبيّا يفيد بأنه كان مريضا طوال تلك المدّة والحال أنه كان  موقوفا بأحد سجون إيطاليا ...".
ليست المرّة الأولى
هذه الحادثة الفضيحة التي وقع التكتّم عليها لم تكن الأولى من نوعها إذ سبقتها ولحقتها حوادث أخرى لا تقلّ خطورة أو إساءة للشركة وللبلاد معا . ففي  يوم الخميس 6 أفريل 2017  وتحديدا بميناء مرسيليا ضبط أعوان الجمارك الفرنسيين أكثر من 3500 علبة سجائر من النوع الأجنبي الرفيع مهربة  داخل حاوية تم إنزالها  عفى ما يبدو  من نفس الباخرة " تانيت " من قبل اثنين من البحارة يعملان بالشركة التونسية للملاحة CTN وعونين آخرين يعملان في المنطقة الحرة  .
وعلى الفور قامت السلطات الفرنسية بإلقاء القبض على الأشخاص  الأربعة وإيقافهم على ذمة الابحاث . كما تم حجز الباخرة  لأكثر من 8 ساعات بميناء مرسيليا وتم تسليط غرامة مالية قدرها 15 ألف أورو ضد شركة CTN التي اضطرت إلى تسديد الغرامة للإفراج عن المركب ليعود إلى تونس ويكمل رحلاته .
عدة دول داخل الدولة ؟
إن الروايات الغريبة عن الشركة التونسية للملاحة لا تكاد تنقطع . فقد علمنا بأن  فضيحة أخرى سجّلت في تاريخ غير بعيد ومن الأرجح أن يكون خلال أحد أيام الشهر الماضي . وعلى متن باخرة لنقل البضائع تابعة للشركة المذكورة  أشهر "  أحدهم " سكينا في وجه قائد الباخرة  إثر خلاف بينهما  كان من المفروض أن يحسمه القائد  " لكنّه كبر وتطوّر مما أدّى إلى التشابك وإلى " ضارب ومضروب " حتى منتصف الليل . و يبدو في هذا السياق أن " البحري " المخالف وجد مساندة غريبة من قبل بعض النقابيين  مما جعله يستأنف عمله بسرعة وكأنّ شيئا لم يكن .
و على ذكر الطرف النقابي  يبدو أن هناك 3 نقابات بمعدل نقابة لكل سلك ويبدو  أن بعض النقابيين نسوا دورهم في الدفاع عن منظوريهم وأصبحوا يتدخلون في كل شيء في الشركة التونسية للملاحة  بدليل الانتدابات العشوائية التي حدثت بعد الثورة وارتفع بموجبها عدد العاملين بها ( في الجملة بين إداريين وبحّارة ) من حوالي 950 شخصا إلى حوالي 1400 شخص . كما أن بعض الأطراف  مارست ضغوطات عديدة على الإدارة من أجل انتداب 60 شخصا  يبدو حسب بعض الروايات أن لهم  " مصالح "  مع بعضهم . ومن نتائج الضغط النقابي أيضا  موافقة الإدارة  ( ومن بعدها رئاسة الحكومة ) على  " منحة الإلزام " التي باتت  تكلّف الدولة حوالي 4 مليارات كل عام .  أما  " الكونجيّات " التي كانت 15 يوما مقابل 15 يوما  ( أي 15 يوما من العمل مقابل 15 يوما من الراحة ) فقد  تحولت نتيجة الضغوطات وضعف الإدارة في التفاوض إلى  19 يوما في الشهر ... أما الإطارات فأصبحوا على ما يبدو يعملون 8 أيام فقط  في الشهر. وعلى هذا الأساس فإنه بإمكان   أي شخص في الشركة أن يعمل 3 أشهر وأن يرتاح بعد ذلك 6 أشهر كاملة لا ينقصها يوم واحد . وبما  أن الأغلبية الساحقة تتحصل على عطلها في فصل الصيف الذي تسجّل فيه الشركة نشاطا أكثر مقابل نقص فادح في العاملين فإنها  تضطرّ إلى التعاقد مع أشخاص آخرين زائدين عمّا تستحقّ وتضطرّ  إلى دفع أجورهم بينما عمّالها  وموظفوها  " بالكونجيات " ينعمون .
خسائر بالمليارات
ولعلّ ما حاولت بعض الأطراف أن تخفيه دائما ونجحت ولو نسبيا في ذلك الخسائر المرعبة التي تتكبّدها الشركة في ظل  " الدول " التي تتحكّم فيها ولا تساوي مصلحتها شيئا أمام مصالح أفراد " هذه الدول " . فقد  علمنا بأن مديونيّة الشركة بالرغم من تسجيل بعض التحسّن ما زالت كبيرة وأنه ما كان لهذه الشركة أن تصل إلى حدّ معيّن من المديونية لو أنها تسيّر على أسس صحيحة ومنطقية بعيدا عن  المصالح و " اللوبيات "  ( المديونية كانت في حدود 120 مليارا قبل أن تسجّل مؤخرا بعض التحسّن ) . وإضافة إلى هذا فقد سحبت المنظمة العالمية لسلامة البواخر في البحر الأبيض المتوسط رخصة حمل المسافرين من باخرة  " أوليس " لنقل البضائع  التي كانت  تتميّز بأنها مجهّزة بستّين غرفة  لإيواء المسافرين مع البضائع . وقد سحب الترخيص لأن الغرف لا تستجيب للشروط العالمية  في الصيانة والنظافة. وقد كانت باخرة " صلامبو " وباخرة " أوليس " الباخرتين الوحيدتين في المتوسّط اللتين تتمتعان بهذا الامتياز بينما كانت كافة البواخر التونسية والأجنبية لا يوجد بها أكثر من 12 غرفة .
عندما تشجّع الشركة الاقتصاد الروسي عوضا عن التونسي ؟؟؟
علمت " الحصري " بأن الخط الذي فتحته الشركة  مؤخّرا بين صفاقس وروسيا على أساس تشجيع التصدير أصبح  يمثل حملا  ثقيلا على الشركة وعلى البلاد باعتبار  الـتأكد من عدم مردوديته  وأن الباخرة التي تؤمّن الخط مكتراة من تركيا وهي تقضي 25 يوما في البحر بكلفة 4800 دولار في اليوم دون اعتبار الوقود وأجور العاملين الذين لا يوجد فيهم تونسي واحد . وهذا الخط قد كلّف الشركة  إلى حدّ الآن أكثر من 4 مليارات ولم نجن منه فائدة واحدة . فهل أحدثناه لتشجيع الاقتصاد التونسي أم الاقتصاد الروسي ؟.
وبكل تأكيد فإن هذا فيض من غيض ليس إلّا لأن ما خفي في هذه الشركة  الوطنية العزيزة على قلوب كل التونسيين أكبر وأعظم . أما ما نعدكم به فهو أننا سنعود إلى الحديث عنها ... وبتفاصيل أكثر. وكل ما نتمناه هو أن تتحرّك وزارة النقل لفتح كافة الملفات بكل شفافية ومسؤولية حتى تتحمل كافة الأطراف ما يجب أن تتحمّل من مسؤولية .
جمال المالكي 

التعليقات

علِّق