بين الحقيقة والتضليل في قضية الزيت المدعّم : هل أصبح هذا الملف وسيلة ضغط سياسي على حساب " الزّواولة "؟

بين الحقيقة والتضليل في قضية الزيت المدعّم : هل  أصبح هذا الملف وسيلة ضغط سياسي على حساب   " الزّواولة "؟

راجت في اليومين الماضيين أخبار تفيد بأن الزيت النباتي " عاد إلى أهله " بعد أن ظلّ " محبوسا  في مخازن المحتكرين  " حسب ما سمعنا وما يتداول الناس في ما بينهم .

وبعيدا عن أحاديث الشارع التي لا يخلو بعضها أحيانا من بعض الحقيقة فإن الأكيد أن معضلة الزيت النباتي المدعّم ما زالت تراوح مكانها بل ربّما تفاقمت أكثر. لذلك جمعنا آرء مختلفة عسى أن نصل إلى الحقيقة ولا شيء غيرها.

 

 لا أحد يعرف أين يذهب ؟

 في تصريح أدلى به اليوم إلى إذاعة " موزاييك " أكد لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك  أن ملف الزيت المدعم يجب أن يُفتح بشكل عاجل  أمام اختفائه من السوق وحرمان المستهلك منه.

وقال  الرياحي في هذا السياق : '' لقد طالبنا منذ زمن بنقطة بيع للزيت المدعم في كل سوق بلدي.. ولم تتم الاستجابة لطلبنا.  كما رفضت وزارة التجارة تمكين منظورينا في اتحاد تعاضدية  تونس للاستهلاك من الزيت المدعم عبر وضع شروط مجحفة وتعجيزية ." 

وأوضح  الرياحي   أن تونس تنتج قرابة 165 ألف طن من الزيت المدعم سنويا و بفائض إنتاج بلغ 15 ألف طن  متسائلا وجازما في نفس الوقت بأن  '' حتى حدّ ما يعرف وين يمشي'' مضيفا قوله :  '' الزيت المدعم يوجّه إلى المصانع... التي وصل الأمر ببعضها إلى خلطه بزيت السيارات ليبيعوه بعد ذلك على أساس أنه " زيت مرسكل " .

 

 أحد  منتجي الزيت النباتي : الشهر القادم لن يكون لنا زيت

وفي رده على تصريحات رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك  تدخل الناطق باسم منتجي الزيت النباتي  " جمال عرف "   و حمّل مسؤولية فقدان المادة من السوق إلى وزارة التجارة التي تخلّت عن جلب هذه المادة منذ أشهر ولم تضمن مخزونا كافيا منها.

وقال  المتحدث  إن   حوالي 42  وحدة تعليب زيت أو أكثر توقفت عن العمل في المدة الفارطة بسبب غياب المادة  هذه المادة المستوردة .  وبتأثر  كبير تحدث عن وضعية هذه المؤسسات وعمّالها  فقال بالحرف الواحد :  '' خدامتنا ما عيّدوش..  قعدنا بطالة  شهرين.. 9000 موطن شغل ما لقيناش بش نخلصوهم.. ما يحصل معنا كارثة''. 

وتابع  ممثل المنتجين قائلا : "   إن وزارة التجارة لم تتثبت من كميات الزيت المدعم إلا بعد فقدانها. ".

وفي نفس الإطار  نفى  المتحدث باسم المصنّعين  التهم الموجهة إليهم  وأهمّها " بيع هذه المادة في مسالك توزيع موجهة إلى غير مستحقيها " قائلا : '' قد يكون البعض من ذلك قد حصل لكن الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه''.

ودعا المتدخل السلطات  عموما ووزارة التجارة خصوصا إلى الإسراع في إيجاد حل لهذه الوضعية  قائلا '' الشهر القادم لن يكون لنا  زيت..  هناك  باخرة  قادمة وعلى متنها 6 آلاف طن. فقط .  وهي كمية لن تكفي ليومين اثنين لا غير". 

 

هل أصبح ورقة سياسية بامتياز؟

أعطت وزارة التجارة أول أمس الإذن لديوان الزيت بتزويد معامل إنتاج الزيت النباتي  بما قدره حوالي 84000 طن أي ما يسمح بإنتاج حوالي 840000 لتر من الزيت وهو ما يعادل يوم عمل بالنسبة للمعامل المذكورة.

وهذا الأمر  يطرح عدة تساؤلات بما أن هذه الكمية القليلة موجودة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع  ولم يقع تسليمها للمنتجين : من الطرف الذي عطّل إنتاجها وتزويد السوق بها ولماذا والحال أن المواطن " الزوالي  " لا يجد قطرة زيت مدعم واحدة في الأسواق منذ أشهر  وهو ما يدفعه إلى شراء زيوت نباتية أخرى يصل سعرها إلى 5دنانير للّتر الواحد ؟.

لمصلحة من كان يتم " إخفاء " هذه الكميّة حتى ولو كانت ضئيلة ولا تفي بحاجة المصنّعين والمستهلك معا ؟..

ومن جهة أخرى فإن هذه الكمية الموزعة التي يكفي يوم واحد  فقط من عمل المصانع  و لا تلبّي طلبات المستهلكين  قد تم توظيفها إعلاميا بشكل غريب ومريب حتى ذهب في ظن المواطن المستهلك أن أصحاب الصانع هم الذين " يرقدون " على الزيت ولا يريدون تزويد السوق به والحال أن الحقيقة مغايرة تماما لما يريد البعض الترويج له .

أما خلاصة القول في كل هذا ومثلما قلنا وقال لنا المصنّعون عشرات المرات أيضا من خلال الغرفة  النقابية الوطنية  لمعلّبي الزيوت الغذائية فهي أن قرارات جريئة يجب أن تؤخذ في هذا الموضوع فتقطع مع كافة الممارسات السابقة التي كانت تتمّ بالتواطؤ بين أطراف في السلطة وبعض مصنّعي الزيوت الأخرى ( أو وسطاء عنهم ) من أجل هدف واحد نقوله بكل صراحة وهو ضرب منظومة الزيت النباتي المدعّم بصفة نهائية وتجفيف موارده وقطعه نهائيا ( بصفة تدريجية ) من السوق حتى يخلو الجوّ لمنتجي  الزيوت الأخرى ليرتعوا في السوق مثلما يريدون ويفرضوا أسعارهم مثلما يريدون.

إن المسألة واضحة وضوح الشمس . فالديون الوطني للزيت هو المورّد الوحيد لهذه المادة وقد كان يقوم بمهمته على أحسن وجه لولا أنه حاد في السنوات الأخيرة عن دوره الوطني ليخدم ( عن وعي أو عن غير وعي ) مصالح أطراف أخرى على حساب ملايين من الناس الذين لا يقدرون على شراء زيوت يفوق سعر بعضها 5 دنانير وتحوم حول بعضها الآخر شكوك في أنها مخلوطة بالزيت النباتي المدعّم وتباع على أنها " زيوت نباتيّة أخرى".

وعندما نقول ديوان الزيت نقول وزارة التجارة أي مؤسسة الدولة التي للأسف  يبدو أنها انخرطت منذ سنوات في هذه اللعبة القذرة  وهي اليوم توهم الناس بأنها ليست على علم بمشاكل القطاع والحال أنها تعلم كافة الجزئيات وكافة التفاصيل التي أمدّها بها المهنيّون عديد المرات ربّما أكثر منهم.

إن المطلوب اليوم تدخّل رئيس  الدولة بنفسه للأمر بإصلاح هذه المنظومة الفاسدة من أجل طرفين على الأقل : ملايين الموطنين الذين لا يقدرون على شراء زيت آخر غير هذا الزيت المدعّم... ثم أكثر من 10 آلاف من العاملين في هذا القطاع ممّن سيجدون أنفسهم قريبا في سوق البطالة ... إن لم يكن ذلك قد حصل بالفعل.

جمال المالكي

 

 

 

التعليقات

علِّق