بعض النخبة المثقفة في تونس : لماذا تضيق صدورهم كلما تعلّق الأمر بالدفاع عن المقدسات الإسلامية ؟

بعض النخبة المثقفة في تونس : لماذا تضيق صدورهم كلما تعلّق الأمر بالدفاع عن المقدسات الإسلامية ؟

في الوقت الذي تعيش فيه تونس أزمة اقتصادية خانقة بسبب غلق الحدود الجوية والبحرية والبرية وإيقاف عديد الأنشطة الإقتصادية اثر انتشار فيروس كورونا في كل دول العالم ، وهو ما جعل الالاف بل ملايين التونسيين مهددين في قوت يومهم ، خرجت في الأثناء مواطنة تدعى آمنة الشرقي لتثير الجدل ليس بسبب اكتشافها علاجا أو لقاحا لفيروس كورونا ، أو لاختراعها جهازا صحيا للوقاية من الجائحة ، بل لفتت إليها الأنظار من خلال نشرها على حسابها على فيسبوك نصًا مسيئًا للقرآن بعنوان "سورة الكورونا" وهو ما أحدث جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي بين من اعتبر ما نشرته يأتي ضمن حرية التعبير والضمير من جهة، وبين ما اعتبره إساءة للمقدسات خاصة في شهر رمضان.
واثر انتشار تدوينة أمنة الشرقي و" اختراعها العظيم " تحركت النيابة العمومية و أثارت الدعوى العمومية على أساس الفصل 6 من الدستور الذي يمنع الاساءة للمقدسات ويتيح للدولة التدخل لحماية الأديان .
إلى هنا تبدو المسألة عادية وقانونية بحتة ، ولا تشوبها أية شائبة لا سيما وأنها صارت تحت أنظار قضاء مستقل ونزيه الذي سيقرر ما يراه مناسبا في حق " العالمة " سواء بإصداره عقوبات قانونية أو اسقاط الدعوى دون الخضوع لأية ضغوطات ولو أننا نجاهر بضرورة ايقاف نزيف الاساءة للمقدسات عبر تطبيق القانون دون افراط او تكفير او مبالغة أو تشفي .
غير أن بعض ممن يصنفون انفسهم ضمن النخبة المثقفة خرجوا لتبرير ما ارتكبته المواطنة المذكورة من تحريف للقرآن واساءتها لديانة السواد الأعظم من التونسيين . بل ذهب البعض الاخر الى الكذب وجعل الشرقي " مدونة " حتى يبحثوا لها عن حصانة أو مخرج قانوني لتجنبيها العقوبات الجزائية ..
ومن الثابت أن ازدواجية المعايير و التلاعب بالألفاظ و إباحة الممنوع و منع المباح، وتجريم فعل ما على حساب حق آخر، أمور ليست بالجديدة في الخطاب النخبوي كلما تعلق الأمر بمقدسات المسلمين في تونس .
فكل التجارب السابقة اكدت أنهم يعتبرون المس والمقدسات الدينية حرية تعبير، أما المس من مقدسات" النمط" فهو جريمة ورجعية وخيانة للمشترك الوطني، ويدعون إلى التعايش وثقافة الاختلاف، ولكن صدروهم تضيق بكل من لا يشبههم.
فحرية الرأي والتعبير ، تتغير حدودها و تتحجم حينما يتعلق الأمر بإساءة لعرق معين او طائفة ما، فالمسافة بين حرية التعبير والإساءة لا تتعدى شعرة، قد تقلب الحق إلى باطل و العكس صحيح، فكفاكم تلاعباً بالمفاهيم، فهم يعلمون أن أول من نادى بحرية الرأي و التعبير كان الفليسوف جون ستيوارت ميل لكنه وضع لها حدوداً تحت بند إلحاق الضرر، وفسر هذا المفهوم بالعواقب التي تترتب على حرية الرأي والتعبير، بنظرية فلسفية بسيطة ..و من هذا المنطلق فقد تسببت آمنة الشرقي من خلال تحريفها للقرآن في إلحاق الضرر ..
نحن لا نطالب بنصب المشانق او محاكم التفتيش لها ... بل بتطبيق القانون والمحاكمة العادلة لكل من يسيئ للمقدسات او الديانات سواء الاسلام او لمقدسات اليهود في تونس ومعابدهم او لمقدسات المسيحيين في تونس وكنائسهم .. وهذا ما نص عليه الفصل السادس من الدستور التونسي الذي جاء ليحمي كل المقدسات والديانات .. وينصّ الفصل المذكور أن "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها".
شكري الشيحي

التعليقات

علِّق