بعد موت الصحافي الشاب بالقصرين : هل حان الوقت لتنظيم القطاع وتطهيره من الطفيليين ؟

بعد موت الصحافي الشاب بالقصرين : هل حان الوقت لتنظيم القطاع وتطهيره من الطفيليين ؟


ليست المرة الأولى التي يغادر فيها صحافي هذه الدنيا " احتجاجا " على الوضع الكارثي الذي يعيش فيه . فذاكرة القدامى الذين أفنوا أعمارهم في هذه المهنة ما زالت تحتفظ ببعض الأمثلة التي تقيم الدليل على أن هذه المهنة لم تكن يوما سهلة ومفروشة  بالورود باستثناء بعض " المحظوظين " الذين فتحت لهم الصحافة أبواب النعيم والشهرة والمال  وبعض النفوذ بقطع النظر عن الكيفية التي " وصلوا " بها ولا فائدة هنا من الدخول في التفاصيل .
وبالرغم من مرارة الحدث وقسوة الشعور الذي ينتابنا إثر موت المصور الصحفي الشاب عبد الرزاق الرزقي بالقصرين فقد يكون هذا الحدث مناسبة  يتوحّد فيها الصحافيون الحقيقيون للدفاع عن مهنتهم التي أصبحت منذ سنوات عدة وللأسف الشديد أقصر أحمرة العالم التي يركبها كل من هبّ ودبّ في هذه البلاد .
واليوم إذا لم يدافع الصحافيون عن مهنتهم فلن يدافع عنهم أحد خاصة أنه يتّضح لنا  عاما بعد عام ويوما بعد يوم أن الكثير من الأطراف في الدولة وخارج مؤسسات الدولة تعمل جاهدة على المزيد من " تشليك " القطاع  من خلال أساليب عديدة أهمها محاولات التطويع والإحتواء وشراء الذمم بالمال الفاسد وكذلك من خلال التجويع والتفقير والإذلال وغير ذلك من الأساليب القذرة التي لم تعد تخفى على أحد .
ولو حكينا عن  الواقع التعيس للصحافة التونسية لما وسعت كتب ومجلدات ما سنكتب وما سنقول . فقط نقول إن قطاع الصحافة  والإعلام أصبح مرتعا خصبا لكل من ليس له ما يعمل في هذه البلاد . أنظروا فقط إلى المشهد الإعلامي اليوم ومن يتصدّره  وسترون بالعين المجرّد أن الممثل أصبح صحافيا وأن المغنّي والمحامي والأستاذ والمعلّم والتاجر والجزّار والمقاول ولاعب كرة القدم القديم وغيرهم  أصبحوا " صحافيين " يفتون ويعطون الدروس ولهم باع وذراع  في حين أن العشرات أو المئات من الصحافيين الحقيقيين المتخرجين من معهد الصحافة إما عاطلون عن العمل وإما يعملون " بزوز فرنك " تحت الطاولة وتحت إمرة وتسلّط بعض الجهلة الذين لا يفرّق أغلبهم بين المساء والسماء .
هذا الواقع التعيس أفرز جيلا من الصحافيين والصحافيات محبطا على كافة الواجهات  لأن هؤلاء يرون مباشرة كيف تغلق الأبواب في وجوههم وتفتح أمام أشخاص لا علاقة لهم بالصحافة أصلا . ولئن لا يجوز التعميم باعتبار أن بعض المؤسسات الصحفية تحترم وتراعي " الأصول " في التعامل مع صحافييها فإن الحالة مزرية بكل المقاييس . ولو بحثنا عن الأسباب سنجد ألف سبب وسبب زائد لعلّ أهمها أن المشهد لم يتغيّر إلا بنسبة لا تتعدى 10 بالمائة عمّا كان عليه قبل الثورة . فالوجوه المسيطرة التي كانت تتحكم في المشهد سرّا وجهرا ظلت هي نفسها . والأساليب التي ميزت القطاع ( سلبا بالطبع ) ظلت هي نفسها ... بل الأتعس أن الأبواب فتحت على مصراعيها أمام المتطفّلين والدخلاء الذين امتلأت بهم الساحة فصاروا مثل " الخروع " الذي يشرب الماء ويضيّق على بقية الأشجار.
وأما المؤسف حقّا فهو أن الهياكل التي من المفروض أن تمسك بزمام الأمور وأن تدافع عن الصحافيين في كافة المؤسسات من أجل القضاء على الدخلاء وعلى ظاهرة الاستغلال والتشغيل الهشّ نجد أنها إما ضعيفة بطبعها وإما منشغلة بأمور أخرى لا علاقة لها بشؤون الصحافيين ومآربهم بقدر ما لها من ارتباط بحسابات خاصة  وطموحات خاصة ... وهنا نذكر بالأساس النقابة الوطنية  للصحافيين التونسيين ونقابة الثقافة والإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل دون الحديث عن " هياكل " أخرى غريبة نبتت فجأة كالفقاقيع على غرار تلك المنظمة التي أنشأها " مزاودي وعرابني " للدفاع عن الصحافيين ... والحديث طبعا هنا سيطول لو أطلقنا له العنان .
إن المطلوب اليوم هو أن ينتفض الصحافيون على هذا الواقع وأن لا يعوّلوا كثيرا على هياكلهم الموجودة التي أثبتت في أكثر من مناسبة أنها لا تختلف كثيرا عن الحكومة من حيث أنها تعش في كوكب بعيد عن الكوكب الذي يعيش فيها الآخرون . ويبدو أن الوقت قد حان لإعادة النظر في كافة دواليب القطاع وتطهيره من الدخلاء وضبط نواميس وشروط جديدة تضمن الحدّ الأدنى من الكرامة والحرية والحق في العيش للصحافيين ... وللحديث  بقايا بكل تأكيد .
جمال المالكي

التعليقات

علِّق