بعد منع بث تحقيق الحقائق الأربع : قرار قاضي التحقيق وصمة خجل وعار على جبين القضاء

بعد منع بث تحقيق الحقائق الأربع : قرار قاضي التحقيق وصمة  خجل وعار على جبين القضاء

ما زال قرار قاضي التحقيق منع بثّ " الجزء المتعلّق بموت الأطفال الرضّع " من البث على قناة الحوار التونسي يوم أمس يثير الدهشة والاستغراب خاصة في الأوساط الإعلامية والحقوقية إذ فوجئ الجميع تقريبا ربما ليس من القرار في حد ذاته بل من التعليل الذي برّر به قاضي التحقيق قرار منع البثّ .
وفي واقع الأمر فإن مجرّد الحديث عن " منع البثّ " بات غريبا ويثير الشفقة ذلك أننا نعتقد ( وربما نحن واهمون ) أن المكسب الأكبر الذي تحقق لتونس بعد الثورة هو حرية  الصحافة  والتعبير. ولعلّ الدليل أننا واهمون شيئا ما ذلك العدد الهائل من الصحافيين وحتى من المدوّنين الذين أحيلوا على محاكمات جائرة وكانت فيها الإحالة دائما على معاني فصول المجلة الجزائية وليس على معاني المنشورين 115 و 116 اللذين يحددان مسألة التعاطي الإعلامي وحرية الصحافة والتعبير والنشر .
ولعلّ ما أثار استغرابا أكثر تعليل قاضي التحقيق الذي استند على أنه ّ بلغ إلى علمه أن قناة الحوار التونسي تعتزم القيام بتحقيق صحفي عن حادثة موت الأطفال ..." وما إلى ذلك من تبريرات تصبّ كلّها في خانة واحدة وهي أن " جهة ما " بلغ إلى علمها أن فريق الحقائق الأربع شرع في التحقيق ( صحفيّا ) في الموضوع فسارعت هذه الجهة لتعلم قاضي التحقيق المكلّف بالقضية من أجل هدف واحد وهو منع بث البرنامج بأي شكل من الأشكال لأنه قد يعرّي الحقيقة ويكشف أطرافا مورّطة في الفاجعة  وكانت النتيجة أن قرّر قاضي التحقيق منع البث قبل وقوعه وهو الذي لم يطّلع لا من بعيد ولا من قريب على محتويات الحلقة وليس له تبعا لذلك أن يبني قراره على تخمينات يقول بعضها إن بث الحلقة سيؤثّر على سرية التحقيقات وعلى سير القضاء عموما .
وإذا نجحت هذه الأطراف في استصدار قرار من هذا النوع فليس لذلك أي معنى إلا أنها متنفّذة وتملك سلطة ما على جزء من القضاء حتى لا نقول على القضاء كلّه . وهنا تأتي المفارقة العجيبة وهي أنه بقدر ما يستميت الصحافيون الأحرار في الدفاع عن قضاء مستقلّ منصف يعطي الانطباع بالعدالة بين جميع التونسيين نجد أن جزءا من القضاء يستميت في محاولة إخضاع الإعلام إلى نزوات السياسة  وبعض السياسيين وبعض أطراف السلطة التنفيذية التي من الطبيعي جدا أن تعمل على احتواء الإعلام وتطويعه .
إن قرار التحقيق يعدّ وبلا أقنعة تدخّلا مخجلا في حرية الصحافة والإعلام ومحاولة جديدة للترهيب وجرّ هذا القطاع إلى بيت الطاعة . وهو أيضا وصمة عار على جهاز القضاء الذي ما زلنا نعمل ونصرّ على أن يكون سلطة مستقلّة عن كافة السلط وألّا يكون عليه أي سلطان سوى القانون وضمير القاضي ووجدانه . وها نحن في انتظار مواقف جمعية القضاة  ونقابتهم وموقف المجلس الأعلى للقضاء وعمادة المحامين من هذا القرار الذي نرجو أن يكون آخر فصل من فصول " مسرحية " تطويع الصحافة والإعلام . وليكن في علم كافة من يعملون في هذا الاتجاه أننا لن نركع ولن نرمي السلاح وسنظلّ ثابتين على مبدئنا في الدفاع عن حرية الصحافة وحريّة التعبير تماما كدفاعنا عن استقلالية القضاء ... فمتى يفهم بعض الواهمين فيرفعون أيديهم عن الصحافة ... وعن القضاء .
جمال المالكي
 

التعليقات

علِّق