بعد صور قناة التاسعة : ما هذا الإصرار الغريب من قبل بعض الأمنيين على منطق " معيز ولو طاروا " ؟؟؟

بعد صور قناة التاسعة : ما هذا الإصرار الغريب  من قبل بعض الأمنيين على منطق " معيز ولو طاروا " ؟؟؟

 

شاهدت في سهرة الأمس  على قناة " التاسعة " ما شاهده غيري من التونسيين  أجمعين . وفي خطوة تحسب لهذه القناة وخلافا لعدّة قنوات أخرى على غرار الوطنية الأولى  تحديدا غابت الحسابات وتمّ تمرير المشاهد واللقطات مثلما هي ... دون عمليات تجميل أو " عمليات جراحية " .
ولئن أجمع العالم كلّه على أن التعامل الأمني مع أحداث ملعب رادس كان قاسيا وعنيفا ومبالغ فيه فإن الغريب في الأمر ذلك الإصرار العجيب من قبل بعض الأمنيين  على  التشبّث بمنطق " معيز ولو طاروا "  بالرغم من أن الصور كانت واضحة ولا تحتاج إلى أي اجتهاد من أي طرف كان .
منطق مرفوض
وقبل الدخول في تفاصيل الصور وما أثارت من تعليقات  دعونا نتوقّف لحظة عند نقطة مهمّة جدا وهي الطريقة التي كان يتحدّث بها السيد نسيم الرويسي الكاتب العام المساعد لنقابة موظفي وحدات التدخّل  الذي بدا ( رغم مرور أكثر من 48 ساعة على ما حدث ) منفعلا منحازا إلى زملائه  " ظالمين ومظلومين " . وإضافة إلى الإنحياز الذي قد يكون مفهوما فإن ما لم يعد مقبولا في 2017   لهجة التعالي والتسلّط التي كان يخاطب بها الرويسي كل من انتقد طريقة تعامل الأمن مع جمهور النادي الإفريقي عندما ظلّ يردد باستمرار " موش باش تعلّمونا كيفاش نخدموا ... ولّا كيفاش ندّخّلوا " ... وهذا يعني بكل بساطة أن الرجل لا يقبل أي رأي مخالف ... ولا يقبل بالتالي أن يكون الأمن مخطئا حتّى إن اتفق العالم كلّه على أنه مخطئ  . وأكثر من هذا فقد ظل الرويسي ثابتا على موقفه ( الخاطئ بالتاكيد ) رغم كافة اللقطات والصور التي تمّ بثّها وقال بإصرار وعناد : " من له دليل فليذهب إلى القضاء " .
ومنطق أعوج
من جهة أخرى رأينا جميعا وسمعنا أيضا ذلك العقيد الذي نفى نفيا قطعيّا أن يكون الأمن قد استعمل الغاز المسيل للدموع  وكأنه كان يحكي عن لقاء آخر لم يقع بثّه مباشرة أو عن صور أخرى  ليست تلك الصور التي رأيناها ورآها معنا . وهذا أيضا منطق مرفوض وأعرج  لأنه يسمّى بكل بساطة تزييفا  للواقع الذي أثبتت كافة الوسائل فيه  أنه تم استعمال الغاز المسيل للدموع الذي طال حتى اللاعبين على الميدان إلى درجة أن اللاعب صابر خليفة على سبيل المثال كاد " يردّ قلبو " ... ولا نظنّ أن ذلك كان نتيجة العطور التي أطلقها الأمن في ملعب رادس  لإنعاش اللاعبين والجمهور .
لا للعنف ... مهما كان صاحبه
الآن لنتّفق على أمر يجمعنا وهو أن العنف مرفوض مهما كان مأتاه . نحن نرفض أن يعتدي الجمهور على الأمنيين لكن نرفض أيضا أن يعتدي الأمن على الجمهور . وإذا اتفقنا على أن الأمن  يستعمل العنف من منطق " العنف الشرعي " الذي تملك الدولة وحدها حق استعماله  فإنه من حقّنا أن نتساءل أي نوع من العنف يمكن أن يسمح باستعماله ؟. هل هو عنف  " الشماتة " الذي رأينا العديد من الصور التي تثبته والعديد من الأدلّة التي تجعل منه حقيقة ثابتة لا يمكن لا للنقابي الأمني أو للعقيد أو لغيرهما أن ينكره  إلا من منطق الهروب إلى الأمام ؟. وهنا أريد أن أسأل : ماذا نسمّي اعتداء عون أمن بكل ذلك العنف على شخص يبحث عن منفذ للخروج من الملعب  وهو ( أي ذلك الشخص ) قد يكون لا ناقة ولا جمل له في ما حصل ؟. ما قول النقابي والعقيد في صور تظهر بعض الأمنيين وهم يتصدّون بعنف شديد لأشخاص عزّل يريدون بأي ثمن مغادرة الملعب هربا مما يحدث وكانوا يريدون منهم أن يعودوا إلى الملعب حيث العنف والدخان والغاز المسيل للدموع ؟. ما قولهما في تلك اللقطة التي رأينا فيها عون أمني يجري بسرعة 100 كلم في الساعة  ليلتحق بشخص كان يمشي غافلا عمّا يجري وغافلا عن جري العون وراءه فيهوي عليه بعصاه التي لا ترحم  ثم ينسحب وكأن شيئا لم يقع ؟.
ولنفترض الآن أن جمهور النادي الإفريقي هو المخطئ وأن الأمن تعرّض إلى الاستفزاز من قبل الجمهور فردّ الفعل بالطرق التي يرى أنها " شرعية " فهل من  " الشرعية " أيضا أن يستعرض عون أمن عضلاته وقوّته أمام الجمهور حتى  قبل أن يبدأ اللقاء وقبل أن يحصل أي شيء ؟. وإذا كان النقابي والعقيد لا يصدّقان فليعودا إلى ما بثّته قناة التاسعة ليلاحظا بكل وضوح أن أحد الأعوان كان واقفا أمام أحد أبواب الدخول وأن الجماهير كانت تمرّ أمامه في صفّ منتظم  وعوض أن يساهم في التهدئة والتنظيم رأيناه  يروح ويجيء و يضرب بعصاه الحاجز الحديدي دون أي سبب  سوى أنه كان يريد أن يرعب الجماهير وأن يقول لها  " أنا هنا " فلا تحاولوا فعل أي شيء ... وهذا يسمّى استفزازا مجانيا لم تقدم عليه الجماهير بل أقدم عليه عون الأمن  الذي قد يكون نسي أن من أهمّ مهامّه  في ذلك اليوم حماية الجمهور وليس استفزازه .
الإعتراف بالحقيقة طريق إلى الحلّ ؟
إن ما حصل بملعب رادس يوم الأحد لا يشرّف أحدا . وعوض أن نبحث معا عن الحلول طفق كل طرف يبرّر ما حدث حسب مصالحه فوجد نفسه قد ظلم الطرف الآخر حتى دون أن يقصد . وقد كان على كافة الأطراف وأوّلها الطرف الأمني أن تنظر إلى الأمر بكل  واقعية  وبكل تجرّد . ولعلّ أول ما كان يجب استخلاصه هو القراءة الواقعية لكل ما حدث  واستنتاج ما يجب استنتاجه منه . وفي هذا السياق يجب على الأمن أن يعيد مشاهدة التسجيلات  بكلّ موضوعية وتجرّد لأن الأكيد أنه سيلاحظ العديد من الإخلالات والتجاوزات . وبعدئذ يجب التصرّف حسب تلك الإخلالات والتجاوزات لا حسب بعض القناعات الخاطئة التي ما زالت للأسف تسيطر على بعض الأمنيين وتؤثّر على تصرفاتهم ومواقفهم . وعندما تقتنع الداخلية بأن أعوانها ليسوا معصومين من الأخطاء وبأنه ليسن من باب الضعف أو الخجل أن تعتذر عن كل ما يصدر من أعوانها سنجد عندئذ بداية الطريق نحو الحلول ... ولعلّ أول الحلول هو أن تجمع الداخلية كافة الأطراف المعنيّة بهذا الملف لدرسه من كافة جوانبه وبكل هدوء ... وعليها في هذا الإطار أن تستمع إلى الآراء الأخرى من منطق أنه يمكن الإستفادة منها وليس من منطق " موش باش تعلّمونا كيفاش نخدموا ".
جمال المالكي 

التعليقات

علِّق