بعد توضيح الرئاسة : " شغل هواة " وغرائب وأخطاء تستوجب التغيير الفوري لطاقم الإعلام والاتصال حول الرئيس
قلنا في أكثر من مناسبة إن أكبر مشكل تعاني منه الرئاسات الثلاث في تونس هو المشكل الاتصالي. وقد اتضح في أكثر من مناسبة أنه لا يوجد أشخاص قادرين على القيام بهذا الدور المهمّ جدا في المؤسسات الثلاث ومن هنا جاءت الأخطاء وتراكمت بشكل لم يعد يخفى على أحد .
وفي مؤسسة رئاسة الجمهورية يبدو أن " الداء " قد استفحل أكثر فأكثر ولعلّ أكبر دليل على ذلك ما جاء في البيان التوضيحي الذي أصدرته الرئاسة يوم أمس بخصوص " محاولة تسميم الرئيس".
ففي ذلك البيان جاءت أشياء عجيبة وغريبة ولا يمكن ألّا يقع التفطّن إليها قبل نشرها إلا إذا كانت إدارة الإعلام والإتصال بالقصر الرئاسي تفتقر إلى الكفاءات التي لا تفوّت مثل هذه الأمور... ويبدو أن هذا هو الحاصل.
ولعلّه من المفيد أن نقدّم هذه الملاحظات التي استوجبها ذلك التوضيح " المرتبك " لنحاول أن نفهم بعض التفاصيل عسى أن يكون ذلك مفيدا للجميع . فقد جاء في البيان أن مديرة الديوان الرئاسي هي التي فتحت الظرف المجهول فأصيبت على الفور بما يشبه العمى ( شفاها الله طبعا ورعاها ) وأحسّت بأوجاع وكاد يغمى عليها ... ثم نقلت إلى المستشفى العسكري لتلقّي العلاج ومعرفة نوعيّة المادة التي كانت موجودة في الظرف. وهنا يؤكّد العارفون وكذلك منطق الأشياء أن مهمّة تقبّل الرسائل وتوزيعها وتصنيفها ليست من مشمولات مديرة الديوان الرئاسي بل هناك مصالح أخرى تقوم بذلك بكل دقّة وبكل حرفيّة من الناحية المبدئية على الأقل. إذن لماذا سارعت السيدة نادية عكاشة بفتح ظرف مجهول الهوية قد يمثّل خطرا عليها قبل الرئيس ذاته؟؟؟.
وجاء في البيان أيضا أن الظرف المعني بالأمر تم وضعه فورا في تلك الآلة التي تقطع الأوراق قبل أن يتم توجيهه إلى مصالح الداخلية للتأكّد من محتواه والحال أن منطق الأشياء يفرض ألّا يقع مسّ الظرف من طرف أي شخص مهما كان إلا بحضور مصالح الأمن الرئاسي الذي يتولّى كافة المهمّات اللاحقة لأنه من المفترض أن يكون الأمن الرئاسي على دراية بالتعامل مع مثل هذه المواقف.
و توجّه بيان الرئاسة أيضا بالشكر إلى الإدارة العامة للأمن الرئاسي " لفطنتها وحرفيتها وجاهزيتها " . وهنا تطرح عدة تساؤلات لعلّ أهمّها : أليس من الضروري والواجب إخضاع أيّة مراسلة موجّهة إلى رئاسة الجمهورية إلى عمليّة مراقبة من خلال آلة مخصصة أو آلة " سكانار " علما بأن البريد التونسي يملك مثل هذه الآلات فما بالكم برئاسة الجمهورية؟. أما هذا فيمثّل سوء تصرّف من قبل مصالح أمن الرئاسة وليس " جاهزية أو فطنة أو حرفيّة " ... ومن هنا يبدو أن شكر هذه المصالح الوارد في البيان غريب ولا مبرر له .
وفي الختام حرص البيان على التأكيد أن رئاسة الجمهورية تحرص على ضمان حرية الرأي والتعبير والصحافة والتوزيع التي يضمنها الدستور مبرزا كذلك استغرابه من ملاحقة الشخص الذي أثار مسألة محاولة تسميم الرئيس عوضا عن البحث عن الشخص أو الجهة التي كانت وراء هذه العمليّة . والمقصود هنا هو " الكرونيكور " على قناة التاسعة رياض جراد . وهنا أيضا تطرح عدة تساؤلات غريبة وحائرة : هل إن ذلك طريقة للإعتراف بأن رياض جراد قد استقى معلومته من " مصدر وثيق " وهو مؤسسة الرئاسة نفسها ؟. وفي هذه الحالة تحديدا فإن الأمر لا يتعلّق لا بحرية الرأي ولا بحريّة الصحافة لا بمسألة أمن قومي لا يمكن نشرها للعموم إلا من قبل مصدر رسمي يروي ما يجب أن يرويه للشعب التونسي وللإعلام التونسي كلّه وليس لفرد واحد من قناة معيّنة مهما كان اسمها أو موقعها. وهذا يطرح أيضا مسألة تنظيم أخبار القصر ونشرها إذ يبدو واضحا أنه لا يوجد طرف محدد يؤطّر العملية بما يترك ثغرات تسمح بتسريب الأخبار أو بعضها لأطراف دون أخرى.
وأختم بهذه الملاحظة الأخيرة : لقد جاء في البيان أن مؤسسة الرئاسة لم تشأ في البداية نشر تفاصيلها للعموم " خشية إرباك الرأي العام ..." . وهنا نحن نعاين جميعا أن ما كانت تخشاه الرئاسة قد حصل ... وأكاد أجزم بأنه لو تمّ التعامل مع هذه المسألة بشكل أفضل من الناحية الإعلامية لكانت الأمور أفضل خاصة من حيث الوضوح وقطع الطريق أمام التأويلات والقراءات التي رأينا منها أشكالا وألوانا إلى درجة أن بعض الأطراف ( حتى الرسمي منها ) ذهب إلى التشكيك في رواية الرئاسة قبل صدور البيان حتى لا نقول التكذيب.
وتبقى مسألة مهمّة جدّا قلناها ولا بأس من إعادة قولها : إن على رئيس الجمهورية أن يقوم بتغيير طاقمه الإعلامي والإتصالي لأن الساحة فيها كفاءات تحسن التعامل مع الأحداث بأفضل ما هو موجود . وهذا الأمر أيضا ينطبق على مصالح الإعلام والإتصال بكل من رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس نواب الشعب.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق