بعد الاتهامات التي طالت ديوان التجارة : إطار سام سابق يكتب ويكشف للمواطن " أسباب الداء المزمن "

بعد الاتهامات التي طالت ديوان التجارة : إطار سام سابق يكتب ويكشف للمواطن " أسباب الداء المزمن "

في خضمّ الجدل القائم والمتواصل حول تلك البضائع الاستهلاكية الفاسدة التي تمت معاينتها مؤخرا بمخازن الديوان التونسي للتجارة وافانا السيد خميّس البريني وهو موظف سام سابق بالديوان بهذا التوضيح الموجّه إلى الرأي العام وكل من تعنيه المسألة من قريب أو من بعيد ... ننشره مثلما جاء إذ قال :

إثر الحملات التشويهية والأراجيف المغرضة التي يتعرض لها الديوان التونسي للتجارة في الفترة الأخيرة وبحكم أنني اشتغلت سابقا إطارا ساميا  بهذه المؤسسة الحكومية العريقة وأني ملمّ بآليات التجارة الخارجية والتزويد أردت أن أوضح أن الديوان يعتبر ركيزة هامة للاقتصاد الوطني ويقوم بدور كبير في تزويد السوق المحلية بمواد أساسية كالسكر والقهوة والشاي والأرز بصفة دائمة ومنتظمة وبمواد ظرفية كالحليب والبطاطا في حالة حدوث نقص في الإنتاج المحلي أوخلل في التزويد قصد تعديل السوق المحلية و الضغط على الأسعار .

وفي هذا الصدد سأوضح بعض الجوانب للعموم :

أولا : بالنسبة للشراءات وإبرام العقود فهي تتم عن طريق لجنة شراءات موسعة متكونة من أعضاء من الوزارة الأولى والمالية والتجارة و الصناعة والمواصلات والبنك المركزي وكلهم مديرون وإطارات عليا في الدولة ولا تتم أية  صفقة إلا  بإشرافهم و موافقتهم ولا دخل للديوان (حتى الرئيس المدير العام ) في اتخاذ أي قرار شراء.

ثانيا: إن صفقات الشراء لا تسند إلا للمزودين العالميين المصادق عليهم مسبقا من طرف لجنة الشراءات والممضين على كراس الشروط المتضمنة لكل الإجراءات والتراتيب والمواصفات المعتمدة من طرف الديوان.

ثالثا: إن كميات  الشراءات من طرف الديوان تراقب كلها قبل الشحن في بلدان المنشأ ( من طرف هيئات رقابة مختصة معترفا بها دوليا وإقليميا ) حسب المواصفات والتراتيب المضمنة في كراس الشروط .

رابعا:إن كميات المواد الأساسية والظرفية الموردة من طرف الديوان التونسي للتجارة مهما كان نوعها هي مؤمنة عند الشحن البحري وبعد وصولها للميناء تؤخذ منها عينات من كل كمية قبل تفريغها من الباخرة لمراقبة جودتها . فإن وجدت بعض الكميات فاسدة أو المتضررة يسخّر خبير محايد ومصادق عليه للغرض . وحسب المعاينات والتحاليل يذكر التقرير أسباب فساد أو عدم مطابقة البضاعة للمواصفات المطلوبة : إما أن يكون السبب من المنشأ وبالتالي يتحمل المزود المسؤولية وعلى الديوان رفضها بكل بساطة وإرجاعها وإما أن تكون أسباب فساد بعض الكميات من جراء البلل أو من الباخرة أو من نقل البضاعة عندئذ فإن شركة التأمين تدفع للديوان ثمن البضاعة الفاسدة التي تتلف في ما بعد عن طريق عدل تنفيذ ( وغالبا لا تتجاوز الكمية الفاسدة أو المتضررة نسبة 1 أو 2 ٪ ) وهذا معمول به في التجارة الدولية ويتم إتلاف الكميات المتضررة عن طريق عدل منفذ ويستحيل تسويقها في السوق الداخلية والدليل على ذلك لم تصل أية  تشكيات طيلة عقود من طرف اي مواطن.

خامسا :إن مادة الأرز على عكس مادة السكر والقهوة والشاي قابلة للتسوّس . ولهذا يجب الإسراع في تفريغها وإخراجها من الميناء إلى مراكز الخزن للديوان ومداواتها قبل تعليبها لكن لاحظنا خاصة بعد الثورة أن إجراءات المراقبة الديوانية تطول أكثر من اللازم أو أن الشركة التونسية للشحن والترصيف لا تقوم بعملها في الإبان وتبقى كميات الأرز عدة أسابيع بل عدة أشهر في الميناء رغم قيام الديوان بكل إجراءات الخلاص ورفع البضاعة من الميناء وبالتالي يؤدي هذا التأخير في وصول كميات الأرز إلى مخازن الديوان ومداواتها في الإبان في تسوس بعض الكميات وإتلافها.

سادسا : بالنسبة للمواد الظرفية (حليب وبطاطا معدة للاستهلاك ) فإن توريدها يخضع مسبقا لقرار من الدولة عن طريق وزارة التجارة (سلطة الإشراف) وذلك لتعديل السوق المحلية وتفويت الفرصة على بعض المحتكرين الخواص حيث يلاحظ في بعض الفترات نقص حاد لمادة الحليب أو انقطاعه تماما لفترة طويلة أو نقص حاد لمادة البطاطا خاصة في فترة تقاطع الفصول وارتفاع مشط لأسعارها . ولغاية تعديل السوق المحلية يكلف الديوان من طرف سلطة الإشراف بتوريد كميات محدودة من الحليب أو البطاطا وتسويقها بسعر الكلفة أو أقل بكثير من سعر الكلفة مراعاة للطاقة الشرائية للمواطن . لكن الإشكال أن الخواص وبمجرد سماعهم بتوريد تلك المواد يسارعون بإخراج الكميات المخبأة وضخها في السوق المحلية . وعندئذ تطالب وزارة الفلاحة واتحاد الفلاحين واتحاد الصناعة والتجارة بإعطاء أولوية التسويق للمنتج المحلي ويضطر الديوان إلى إيقاف التسويق وتخزين الكميات الباقية لفترة طويلة نسبيا فتفسد كلها أو بعضها .  كما أن مطالبة سلطة الإشراف الديوان بخزن بقية الكميات غير المسوقة لأجل غير مسمى هو السبب الرئيسي لفسادها وإتلافها في ما بعد والديوان ليس له أية  مسؤولية في كل هذا التمشي لأنه مكلف ومأمور من طرف الدولة.

وفي الأخير أتوجه إلى بعض العامة الذين لا يعرفون الديوان التونسي للتجارة  لأقول إن هذا الأخير يعتبر ركيزة هامة في خدمة الاقتصاد الوطني وتنفيذ سياسة الدولة في تنظيم مسالك التوزيع والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن على الأقل بالنسبة لبعض المواد الاستهلاكية الحساسة أو الاستهلاك الواسع ولولاه لكانت أسعار السكر والقهوة والشاي والأرز وحتى البطاطا المعدة للاستهلاك بأضعاف ما هي عليه الآن ... وشتان بين الخواص الذين يلهثون وراء الأرباح المجحفة ولا يهمهم المواطن الفقير والديوان التونسي للتجارة الذي يزود البلاد بالمواد الأساسية ويسوقها بأسعار الكلفة أو بالخسارة وذلك لغاية تعديل السوق المحلية بانتظام  بأسعار مناسبة وفي متناول الجميع . ورغم ذلك لا يزال الديوان التونسي للتجارة يتعرض إلى حملات تشويه و انتقادات مغرضة وأراجيف مجانبة للحقيقة حتى يقع التفويت فيه أو التفويت  في توريد بعض المواد (مثل مادة الأرز) للخواص وعندها ستقع الطامة الكبرى على المستهلك المسكين الذي سيتحمل تداعيات الخوصصة والتفويت واضطراب التزويد والارتفاع المشط للأسعار مثلما حصل بالنسبة لكل المواد التي وقع التفويت فيها سابقا من طرف الديوان لفائدة الخواص(فواكه جافة - كاكاو- حمص- موزإلى غير ذلك ...) .

 و بعد هذا التوضيح الذي  أرجو  أن يكون شافيا وكافيا  لكم الحكم الآن : أين الفساد الذي يدّعي البعض إنه موجود في هذه المؤسسة العريقة ؟.  إن العكس هو الصحيح   لأن  الديوان التونسي للتجارة " سادد باب بلاء  على المواطن "  من خلال تفويت الفرصة على احتكار بعض المستكرشين ولا يمكن مؤاخذته سوى لأنه أداة تنفيذ لسياسة الدولة إذا ما اعتبرنا ذلك خطأ أو  " جريمة " طبعا.

خميس البريني ( إطار سابق بالديوان التونسي للتجارة ) 

 

التعليقات

علِّق