برمجة الرومي وخليفة وزين وغيرهم في مهرجان قرطاج : إصرار غريب على استنزاف مدخرات البلاد من العملة الصعبة والسلطة " ليست هنا " ؟؟؟

لا أحد في هذه البلاد ينفي أنها تعيش أسوأ الحالات التي لم تشهدها في تاريخها حتى زمن ثورة أبي يزيد صاحب الحمار . ولا أحد في هذه البلاد ينكر أن الوضع الاقتصادي يسير من سيّئ إلى أسوأ على كافة الواجهات . لكن يبدو أن إدارة مهرجان قرطاج الدولي ومن ورائها وزارة الثقافة تعيش في كوكب آخر يبعد عن تونس مائة ألف سنة ضوئية .
ومن خلال البرمجة التي أفصحت عنها أمس إدارة المهرجان نلاحظ وجود فنانين أجانب بين عرب وغربيين ولا نظنّ أبدا أن هؤلاء سيأتون إلينا في إطار مشاريع خيرية أو في إطار " ربح الأجر والثواب " . فماجدة الرومي ومرسال خليفة وملحم زين وغيرهم سيتقاضون أجورهم بالعملة الصعبة التي نعلم جميعا أن احتياطي تونس منها ما فتئ يتآكل يوما بعد يوم إلى حدود إطلاق صيحة فزع من قبل البنك المركزي . وفي الوقت الذي تطلق فيه جهة رسمية صيحة فزع تطلق إدارة مهرجان قرطاج بتزكية ومباركة من وزارة الثقافة " صيحة تبذير " وتبديد للمال العام الذي كان أحرى وأولى بهذه الوزارة وهذه الإدارة أن تنفقاه في ما ينفع البلاد والعباد . ولعلّ السؤال البديهي الذي يفرض نفسه في مثل هذه الحالة : ماذا سيضيف هؤلاء الفنانون لنا بلدا وشعبا ؟. هل سيساهمون في حلّ أزمة الحليب الذي صار العثور على علبة منه أهون ألف مرة من العثور على كنز سليمان ؟. هل سيساهمون في تقليص غلاء الأسعار المتصاعدة كل يوم إلى عنان السماء ؟.
إن الحقيقة الثابتة أن أي فنان أجنبي سيأتي إلى أي مهرجان في بلادنا سيقبض بالدولار أو " اليورو " وأن ذلك معناه مزيد من استنزاف العملة الصعبة التي تذهب هدرا دون أن تعود بأية فائدة لا للبلاد ولا للعباد . فلو أن هذه المئات الآلاف من الدولارات تصرف في شراء الدواء المفقود أو استيراد بعض المواد الغذائية الأساسية لقلنا نعم التمشّي ولباركنا هذا الإجراء . أما أن تنفق هذه المبالغ من أجل ملء جيوب فنانين أجانب يأتون ليغنّوا أمام جمهور لا يهمّه إلا الرقص والتمايل في حفلاتهم فهذا يسمّى سوء تصرّف وإصرار على إهدار المال العام تحت أنظار ومباركة وموافقة السلطة التي يبدو أنها أيضا تعيش بعيدا عن هذه البلاد آلافا من الأميال ... ولا يهمّها إن عمرت أو خلت لأن ما يهمّها أكثر هو البقاء في مكانها لأطول فترة ممكنة ...
نأتي الآن إلى مسألة الاختيارات لنقول إن هؤلاء لن يضيفوا لنا أي شيء لأن ما عندهم استهلكوه منذ عشرات السنين وظلّوا يلوكونه في كل مهرجان وفي بلد يقيمون به حفلاتهم . فهل تتصوّرون مثلا أنه يوجد فينا اليوم من يهزّه حنين مرسال خليفة لقهوة أمه وخبز أمّه و " شكشوكة " أمّه ؟. لقد كان أولى بإدارة المهرجان أن تبرمج عشرات من الفنانين التونسيين الذين يندبون حظّهم طوال العام ويشتكون من التغييب والتجاهل ... ونعتقد أن كلفة عشرات من التونسيين ستكون أقل حجما من كلفة 3 فنانين أجانب لن يقدّموا لنا شيئا بل بالعكس سيسلبوننا عملتنا ثم يرحلون إلى أن ندعوهم في مرة قادمة لنلدغ من نفس الجحر ألف مليون مرة ... ولا نعتبر .
جمال المالكي
التعليقات
علِّق