انعقاد المؤتمر الدولي الأول لعلوم الشغل والخدمة الاجتماعية في تونس

ينظم المعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية بتونس مؤتمره العلمي الأول حول "التحديات الاجتماعية في تونس بعد الثورة، الحوكمة والتدخل الاجتماعي" يومي 25 و26 أكتوبر 2017 ونهدف من خلال تأسيس هذا المؤتمر الذي ستكون له دورية منتظمة تحت اشراف الدكتور عبد الستار رجب . .
وقد اصدر المعهد بهذه المناسبة البلاغ التالي :
" مرت ما يزيد عن ست سنوات على ثورة 2011 في تونس، ثورة الحرية والكرامة. كان الحدث إعلانا عن دخول البلاد طورا تاريخيا جديدا. عناوينه الأساسية تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي. تغيير يمس جميع الأنساق ويحيل إلى تجربة نوعية ويفتح على آفاق واسعة من الإنجاز.وتعلّقت بالحدث انتظارات كبيرة تولّدت مما بدا من قدرة على التغيير انكشفت للعيان بفعل رحيل رأس النظام ودخول البلاد في مسار من الانتقال الديمقراطي. غير أنّ حدّة الواقع وعمق المشكلات التي كانت تظهر بصورة متصاعدة كان يؤثر باتجاه معاكس ويخفض من منسوب الأمل والتفاؤل حتى انقلب الأمل إلى ما يشبه اليأس والتفاؤل إلى ما يشبه التشاؤم.
لم يكن هذا التحول في المزاج المجتمعي نتيجة حجم المشكلات التي ترتبت عن العقود السابقة وكانت سبب التغيير الذي حصل في 2011 رغم حدّة هذه المشكلات؛ ولا هي نتيجة ما تراكم من مشكلات أخرى منذ 2011 وهي مشكلات ذات طبيعة مركبة اقتصادية وسياسية واجتماعية وسياقية؛ وإنما كان من أسباب تحول المزاج المجتمعي إضافة إلى ذلك كلّه، عجزُ الفاعلين عموما عن اجتراح الحلول المناسبة التي تُعجّل بتحسين الأوضاع المعيشية للناس وتجعلهم يستمرّون على أملهم وتفاؤلهم. من هنا تولّدت تحديات ما بعد الثورة في تونس، تحديات في التدبير وإدارة التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وتحديات قبل ذلك في مقاربة المشكلات بالطرق والمناهج والمرجعيات التي تسمح بفهم واقع يزداد تعقيدا في مكوناته وتداخلا في معطياته. ولما كان قادح الثورة اجتماعيّا كما تثبته الإحداثيات والدراسات الجادة فإنّه ولكي يتحقق التغيير النوعي يجب أن تفرد المسألة الاجتماعية باهتمام بالغ في مستوى التشخيص أولا وفي مستوى الرؤية ثانيا وخاصة من جهة تنوع مداخل المشكلات الاجتماعية السياسية منها والاقتصادية والثقافية ثالثا وأخيرا من جهة تعدد مستوياتها الجزئيّة والكلية.
لقد توقفت كل مقاربات المشكلات الاجتماعية تقريبا عند التشخيص الذي أصبحت عناوينه الأساسية محل إجماع في حين نجدها قد تعثّرت في مسالك الحلول. وما هذا إلاّ لنوعية التحديات المطروحة أولا ولافتقاد خبرة تدبيرها ثانيا. ونرى في هذا الواقع فرصة معرفية قلّ أن تتوفر لاختبار السجلات العلمية ذات الصلة بالمسألة الاجتماعية ومراجعة ما يجب مراجعته حتى يتسنى للحقل الأكاديمي أن يساهم من موقعه في مرافقة التغيير التاريخي الذي تعيشه بلادنا ويمثل لها سندا ومَتْنا يمكن أن تلجأ إليه.
لقد لفت عدد من الباحثين الانتباه إلى أنّ العنصر الأساسي المبطل للخيارات السليمة باتجاه إيجاد مسالك ناجعة للإصلاحات التي يستوجبها سواء الانتقال السياسي أو الانتقال الاقتصادي هو ما ترتب عن الخيارات الاجتماعية من إقصاء وتهميش اجتماعيين على مدار عقود. ومما بدا واضحا من عديد الجهود العلمية المحترمة ذات الصلة بالمسألة الاجتماعية أنّ هذا الاخفاق في التوفيق بين الخيارات الاجتماعية وتعبئة العموم في ديناميكة عمل جماعي يعدّ من الأسباب التي تعطّل مسارات التغيير والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.
من هذا المنظور نرى أنّ فهم العناصر المفسرة للسلوك الفردي باتجاه التغيير ومعرفة الفروق بين سلوك فئة اجتماعية أو فئة اجتماعية مهنية وفئة أخرى بالاعتماد على أسس البحث العلمي التطبيقي بمثابة المكسب الاستراتيجي في عملية تجاوز التحديات الاجتماعية لمرحلة ما بعد الثورة. ونرى أيضا تناول مواضيع مثل الطبقة الوسطى في تونس اليوم وعدالة توزيع الدخل ونوعية رأس المال البشري وتوسيع خيارات المواطن في مقاربة تنموية شاملة والعلاقة بين الرأسمال البشري والرأسمال الاجتماعي وديناميكيات الإصلاح في سوق العمل ونوعية رأس المال البشري في علاقته بالمنظومة التعليمية ومنطق العمل الجماعي مما تستدعيه محاور المؤتمر الدولي الأول لعلوم الشغل والخدمة الاجتماعية الذي ينظمه المعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية بالتعاون مع منظمة هانز سايدل والجمعية التونسة للخدمة الاجتماعية.
ونرى أيضا أنّ تناول ملامح الهشاشة الاجتماعية التي احتدّت بفعل سياق الانتقال الذي تعيشه بلادنا مما يحقق أهداف مؤتمرنا الأول. وتتمثل ملامح هذه الهشاشة الاجتماعية بشكل جلي في احتداد مظاهر التفاوت الجهوي وما تولد عنها من دينامية احتجاجية اجتماعية. وتتجلى أيضا في مظاهر التصدع والانحراف التي عاينتها عديد الدراسات المتعلقة بمشكلات كالعنف والانتحار والهجرة السرية وتصاعد الممارسات التمييزية وغيرها من المشكلات والقضايا التي أصبحت تستدعي فهما مغايرا ومراجعة في أساليب التدخل الاجتماعي وفي أشكال التهيكل المؤسساتي المناسب لها ،
في هذا الإطار ينظم المعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية بتونس مؤتمره العلمي الأول حول "التحديات الاجتماعية في تونس بعد الثورة، الحوكمة والتدخل الاجتماعي" يومي 25 و26 أكتوبر 2017 ونهدف من خلال تأسيس هذا المؤتمر الذي ستكون له دورية منتظمة إلى:
أولا- تجاوز مرحلة تشخيص المشكلات وتقديم مقترحات في المعالجة والحل،
ثانيا- تبويب المشكلات الاجتماعية الأصليّة وفق صنافة مرجعية واقتراح مسطرة عملية في مقاربتها،
ثالثا- إرساء تقاليد علمية في مجال دراسة المسألة الاجتماعية في تونس ومن خلال الدراسات المقارنة تقوم على استنطاق واقع التجارب العملية في مجال إدارة التدبير والتغيير الاجتماعي من جوانبه الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والقانونية والفردية والمؤسساتية .
ويسعى المؤتمر في نسخته الأولى إلى طرح المحاور التالية التي يراها من صميم تحقيق أهدافه المعلنة سابقا:
1. المحور الأول : التحديات الاجتماعية في مرحلة الانتقال الديمقراطي: الحوكمة قضايا وتجارب
2. المحور الثاني : التحديات الاجتماعية، تداعيات وانعكاسات
3. المحور الثالث: التحديات الاقتصادية و الاجتماعية في تونس في مرحلة الانتقال الديمقراطي
المحور الرابع : السياسات الاجتماعية في مرحلة ما بعد 2011 ، التحليل والتقييم
المحور الخامس: التدخل الاجتماعي في مرحلة ما بعد 2011 ، الفاعلون والاستراتجيات
4. المحور السادس : الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بعد عام 2011 والابتكار الاجتماعي
وتعبّر هذه المحاور عن رؤية في مقاربة المسألة الاجتماعية في تونس بعد الثورة تدمج فيها مسارات متراكبة كانت وراء تشكل واقع المشكلات الاجتماعية في هذه المرحلة دون أن تغفل المعنى الذي يؤكّد على أنّ لكل مشكل اجتماعي ميراث سابق تتولد عن مراكمة إحداثياته جغرافية تعقّد المشكلة ذاتها. ونرى أنّ عمق تحديات هذه المرحلة يكمن أولا في طبيعة المشكل أساسا الذي يتميّز باصطباغه بمعطيات سياقية انتقالية. وثانيا يتعلّق بإدارة التدبير والتغيير الاجتماعي أي فيما يتصل بالحوكمة الاجتماعية ورسم السياسات الاجتماعية المناسبة وتنزيلها بالنجاعة والواقعية المطلوبة وكذلك في أنماط التدخل الاجتماعي المؤسساتية والفردية في أبعادها النفسية الاجتماعية والقانونية والاقتصادية . "
التعليقات
علِّق