انخفاض الدين الخارجي و خدمة استقلالية القرار
لماذا يعتبر انخفاض الدين الخارجي الذي أبرزته المذكرة الخاصة بتنفيذ الميزانية رمزا لخيارات وطنية صعبة . و ضرورية للعديد من المحللين.
اعتبر عدد من الخبراء والملاحظين الاقتصاديين أن الانخفاض القياسي في نسبة الدين الخارجي يعتبر من أهم ما أتت به مذكرة الصادرة مؤخرا عن وزرارة المالية عن تنفيذ الميزانية. فقد بينت هذه المذكرة أن نسبة الاقتراض من الخارج قد نزل نهاية شهر جوان 2024 إلى 48.9% من الدين العمومي. بعد أن كان في حدود 70% في جوان 2019. و قد ارتفعت مقابل ذلك نسبة التداين الداخلي ب24.9%. وهي ظاهرة لم تطرأ منذ ثورة 2011.
و هو أمر قد كان متوقعا بالنظر للتغيير الحاصل في "أسلوب" أو "منهج" الاقتراض الذي بدأت تستخدمه الدولة منذ تقريبا سنتين و الذي لجأت إليه من خلال أسلوبين بالأساس لتسديد ديونها و تغطية عجز ميزانيتها بصفة عامة: الاقتراض لدى البنوك واستصدار الرقاع أو سندات الخزينة.
و قد بدت ملامح هذا التوجه منذ أن فهم تقريبا الجميع أنه سوف لن يتم التوجه إلى صندوق النقد الدولي للحصول على القرض ب1.9 مليار دولار (قرابة 5.9 مليار دينار) الذي كثر الحديث عنه و كذلك الجدل حوله في فترة ما.
علما أن عدم الاقتراض لدى الصندوق و بنسبة ضعيفة لا يساعد و بالنظر للترقيم السيادي للبلاد التونسية الذي يأتي في أسفل الترتيبات التي تصنعها مؤسسات الترقيم السيادي حول الملاءة المالية أي القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية أي تسديد الديون بالأساس في الخروج كما يقال على السوق المالية الدولية.
"املاءات" مالية
علما كذلك أن الحصول على هذا القرض قد يمكن من الحصول على قروض أخرى بنسب ميسرة بالنظر إذ أن الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي يعني عادة أن الطرف المتحصل عليه قبل بالطبع الاستجابة إلى قواعد عمل وما يعتبر "املاءات" مالية "للتحسين من أداء اقتصادها".
و هو كما يعلم الكثير ما جعل تونس ترفض هذا القرض الذي كان يعني اتخاذ جملة من القرارات "اللا اجتماعية" و الصعبة مثل الاستغناء عن سياسات الدعم و الاستغناء عن عدد من العمال في المؤسسات العمومية. الشيء الذي لا يخدم الأمن الاجتماعي ويتسبب في عديد الأزمات كما حصل ذلك في السابق باتباع مقررات صندوق النقد الدولي.
عوائق
لذا فإن اللجوء إلى الإقتراض الداخلي يعتبر من هذه الزاوية على الأقل عنصرا يخدم استقلالية القرار الوطني ويخدم القدرة على الاعتماد على الذات. وتجدر الملاحظة من هذه الزاوية كذلك إلى أن ما أقدمت عليه بلادنا يعتبر خطوة شجاعة يتابعها عدد الدارسين الاقتصاديين لمعرفة كيف يمكن الخروج عن طاحونة الشيء المعتاد والحلول الممكنة إذن عند اللجوء إلى أساليب أخرى غير تلك التي تعودت عليها الدول عند الاقتراض.
غير أن الأسلوب المستخدم من قبل بلادنا يتضمن بدوره عوائق ومن بينها بالأساس أن الاقتراض لدى البنوك وبالعملة الصعبة على الطريقة التي يتم بها اليوم يخص أولا موارد (العملات الصعبة) ز هي إيرادات غالبا ما تكون "قصيرة المدى" يمكن لأي بنك يمتلكها أن يرجعها لأصحابها متى أرادو ذلك. ماذا يمكن أن يحدث -لاقدر الله-في حالة أزمة مالية و مطالبة بها من قبل الحرفاء الذي أودعوها بالنبك؟
السياسات الجريئة
هذا فضلا بالطبع عن التأثيرات في خصوص السيولة. إذ أن هذه العملات أجنبية والتي تمنح للدولة في شكل قروض كان بالإمكان تسليمها في جزء منها لمستثمرين لاقتناء مواد من الخارج أو حتى لتمكين الدولة من شراءات من الخارج. ومن بين هذه الأخيرة بعض المواد التي تعتبر أساسية.
والدولة تعي بالطبع كل هذه المتغيرات وتقدر قيمتها ولكن استقلالية القرار الوطني يتطلب بعض السياسات الجريئة وحتى الصعبة.
محمد قنطاره
التعليقات
علِّق