الوضع الليبي : لماذا نجح الرئيس ماكرون حيث فشل الرئيس السبسي ؟

الوضع الليبي : لماذا نجح الرئيس ماكرون حيث فشل الرئيس السبسي ؟

 

بقلم بولبابة قزبار

كثيرا ما يعاب على الإخوة الليبيين أنهم عجزوا عن إيجاد حل توافقي يجمع كل الفرقاء حول أرضية سياسية تجمع ولا تفرق و توحد ولا تشتت كما هو الشأن في تونس .لقد غاب عن هؤلاء أن تونس وليبيا يختلفان من حيث البنية الإقتصادية والبنية السياسية .إن الإقتصاد التونسي مرتبط عضويا و أساسا بالخارج أي بالدول الأوروبية من حيث التمويل والخدمات كالسياحة رغم الثروات الطبيعية التي تمتلكها البلاد ولا تستغلها بالشفافية المطلوبة . . إذا منعت أوروبا مواطنيها لسبب أو لآخر من الذهاب إلى تونس يترجم هذا المنع بالكارثة الإقتصادية في تونس .هذا يعني أن إرادة الطرف الأوروبي في علاقاته مع تونس أقوى بكثير من إرادة الدولة التونسية .وتصور ما عسى أن تكون الإرادة الأمريكية التي تفوق الإرادة الأوروبية بكثير و تؤثر عليها .زد على ذلك أن تونس لا تتحكم في حاضرها و مستقبلها و مصيرها السياسي الذي يبدو شكليا و ضاهريا بين أيديها ولكنه في الواقع في أيادي خفية تستعمل ما يسمى بالأحزاب و الكتل و المنظمات لتمرير الخطط والبرامج التي تخدم مصالحها و أهدافها .
أما بالنسبة لليبيا فهي تتمتع ببنية إقتصادية صلبة ترتكز أساسا على البترول أي الذهب الأسود مما جعلها دوما مطمح كل الدول الأوروبية والأمريكية التي أصبحت تتسابق على الكسب من ورثة القذافي بكل الطرق والأساليب أكثر من كل وقت مضى .و من هذا المنطلق ليس هنالك وجه شبه بين حجم و قيمة الإهتمام الذي توليه الدول النامية لليبيا و لتونس .ليبيا بالنسبة لهم تعتبر قبلة الذهب الأسود la ruée vers l'or وتونس جسر سياسي للعبور إلى الجيران بأكثر سهولة .كما أن صعوبة التفاعل مع الأطراف الليبية لإيجاد الحلول المناسبة التي تخدم مصالح الدول الأجنبية مردها البنية الإجتماعية والسياسية التي تتكون من مجموعة القبائل الوطنية التي تفتخر بإرثها الوطني و سيادتها الوطنية التي لا تريد التخلي عنها قيد أنملة .و هذه الروح الوطنية والثبات على المبادئ جعل الدول العظمى تقبل بالتفاوض مع خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي رغم طول إصرارهم على فرض السراج كحاكم بأمره و محل ثقتهم بدون منازع .هذا ما فهمه الأمريكان و الأوروبيون و كلفوا الرئيس ماكرون بتقريب الشقة بين المتنازعين لإجراء اللقاء التاريخي بين حفتر د والسراج .ز هذا ما لم يفهمه الرئيس السبسي مما جعله يطلق مبادرة ساعده و زيره للخارجية على إفشالها بكل الطرق .لم يفهم الرئيس السبسي أن سياسة المصالح التي كرسها في سياسته الداخلية لابد من تكريسها في سياسته الخارجية وهو ضمنيا سيد العارفين .لاشك أن الرئيس السبسي يتمتع بإحترام و تقدير كبيرين في الخارج لخبر ته الطويلة و تكوينه الرفيع و كبر سنه و لكن يبقى هذا الإحساس و هذا الشعور بالنسبة للدول العظمى و حتى العربية والإسلامية و ليبيا بالذات خارج نطاق المصالح بين الدول ولا يؤثر فيها أدنى تأثير . و ذلك إضافة إلى وضع تونس الحالي المتدهور في كل المجالات و الذي جعلها دائما في موقف الضعيف المستجدي خلافا لليبيا التي تحافظ على منطق القوة والسيادة رغم إلخلافات السياسية و شبه الحرب الأهلية التي تعيشها .قبل حفتر دعوة الرئيس ماكرون لمقابلة السراج و مصافحته و وقف إطلاق النار ولم يقبل القدوم إلى تونس و مقابلة الرئيس السبسي و تفعيل مبادرته .و ذلك لأن خليفة حفتر أراد أن يتعامل مع الجانب الغربي الذي يعتبر طرفا فاعلا في المسار الليبي منذ رحيل القذافي و الذي سيواصل التفاعل معه في المراحل القادمة .أما الرئيس السبسي يعتبره البعض سياسيا متطفلا على الإزمة الليبية ولا يمكن أن يعطي إضافة لأن فاقد الشيء لا يعطيه وأن الرئيس السبسي يرغب في مصلحة تونس المتمثلة في إعادة الدورة الإقتصادية مع ليبيا أكثر من مصلحة ليبيا التي تتمثل في إيجاد تحالف وطني يحفظ سيادة ليبيا و أمنها و إستقرارها .كما لا يفوتنا أن نلاحظ بأن مبادرة الر ئيس ماكرون ومن ورائه حلفائه ليست نهائية لأن أطرافا أخرى في النزاع باقية على مواقفها الرافضة ولم تطلها بعد يد التصالح و التوافق و الحوار .لقد نجح الرئيس ماكرون حيث فشل الرئيس السبسي فشلا ذريعا و في كل الأحوال فهو نجاح أول نتمنى أن تتلوه نجاحات أخرى لشقيقتنا ليبيا و لإخوتنا و أهالينا في ليبيا .

التعليقات

علِّق