النمو الإنفعالي في الظاهرة السلوكية العامة

النمو الإنفعالي في الظاهرة السلوكية العامة

عرّفت المراهقة في الدراسات النفسية بالظاهرة السلوكية العامة ، و تأتي تبعا للبلوغ أو مرافقة له .

و النمو الانفعالي هو أحد أهم الجوانب المدروسة في الفترة  المذكورة .

- فماهي العوامل المؤثرة في النمو الانفعالي ؟

- ما هي مظاهر هذا الجانب و مضاعفاته على المحيط الاجتماعي ؟

تبدأ مشكلة التأزم النفسي لدى بعض الناشئة مع تيقظ النمو الانفعالي فيهم خلال مرحلة عمرية يعسر تحديدها بسن معينة و يصطلح عليها بالمراهقة او الظاهرة السلوكية العامة .

و تتنامى مثل هذه المشكلة تبعا للتغيرات العضوية و البيولوجية عندما يقارب الاحتلام او عندما تنمو فيه العناصر المميزة للجنس .

و لا غرابة اذا ما اقترنت المراهقة المترتبة عن البلوغ أو المصاحبة له ببعض السلوكات هي أقرب الى النشاز منها الى التوازن و الاعتدال .

لقد تأكد معنى النشاز و عدم الاتزان في لسان العرب لابن منظور في مادة –رهق-التي تعني مدلولات عدة تحوم حول الكذب أو الخفة أو العربدة أو الحدة و الشدة .

و يتفق ذلك مع ما يترجح عند الباحثين النفسانيين من أن مرحلة هامة في الظاهرة السلوكية العامة ضابطها أن السيطرة على السلوك تكون خارجة عن سلطة الفرد الذي يعيش المرحلة من حيث انه يحكم على الأفعال تبعا لصفتها المصلحية و النفعية و هو ما يعبر عنه بمستوى الاخلاق ما قبل المعيارية .و لا يخفى ايضا عند دراسة المراهقة أهمية مرحلة أزمة الأصالة المتميزة في العادة بثورة في اتجاهات ثلاثة

ثورة ضد العائلة بحيث يخير المراهق التضحية بها من اجل تجسيم بعض قيم الجماعة

ثورة ضد  المجتمع بحيث تتراءى في نظر المراهق الشرور بوضوح فينصب نفسه مدافعا عن القيم فينزلق الى المحظور في حالة المغالاة أو عند البحث عن البطولة .

ثورة ضد الكون إذ يتحمس أحيانا لأفكار غريبة في الدين و الساسية لا تتصف بالواقعية عادة

و خصوصا اذا وصل الى مرحلة ضياع معاني الأشياء عنده ليصرح ما الفائدة من كذا ...و كذا ؟

النمو الانفعالي ايجابياته و سلبياته

ان أحد أهم الخصائص الخلقية للمراهقين النمو الانفعالي و هو الذي قد يجسم اذا ما لم تقع رعايته – مفهوم الأزمة لاحقا و رعاية هذا الجانب المتيقظ ينبغي أن توجه الى العوامل المؤثرة فيه كرعاية البالغين الذين تصاحبهم ببلوغ الاحتلام حالات نفسية معينة تنطلق رعايتها من داخل الأسرة فلا يحبذ أن تكون سلطة الأب او الأم ذات طابع قهري حتى لا ينقلب النمو الانفعالي من ميزة دافعة لنموّ العملية العقلية الى عامل سالب يساعد على النفور و التمرد و يظهر ذلك لدى الأغلبية الساحقة من المراهقين في مواجهة المواقف داخل العائلة و في المجتمع تبدو في الحساسية المفرطة بحيث يذوب هذا الكائن أسى و حسرة حين تناله انتقادات الاخرين أو أحيانا يبالغ في الثأثر فيصاب بالكآبة فينطوي على ذاته و يتقوقع و يلوذ بأحزانه و قد يصبح ثقيل الظل أو قد يخلق فيه  ذلك الانفعال اندفاعا وراء انفعالاته الى درجة التهور .

ان مايميز النمو الانفعالي اصطحابه لبعض القيم التي تسيطر على سلوك المراهق منها القيم الاجتماعية و الاقتصادية و الروحية و الجمالية بحسب المؤثرات التي تقود الى ذلك انطلاقا من العائلة و في هذا الاطار لا يعاب على المراهق نمو الانفعالات فيه إذ ان ذلك تحصيل حاصل فيه لا يمكن الاحتراز منه .و انما تكمن المسؤولية في كيفية رعاية هذا الجانب المتيقظ فيه .

فالنمو الانفعالي المتمثل في انفعال الخوف حول العمل المدرسي و المستقبل الاقتصادي للشخص يظهر في القلق و الخجل اللذين اذا ما استعين بهما يؤديان الى ما يسمى بـ" زكيزوفرينيا " أو رفض الواقع دون وعي نتيجة الفشل الذريع و النمو الانفعالي الذي يتضمن أيضا انفعال الغضب نتيجة وجود عوائق أمام اشباع الرغبات اذا لم يجد الرعاية و العناية اللازمين . فقد يؤدي الى الشعور بالضيم والحرمان و القهر فيقود الى النقمة ثم ارتكاب المحظور .

وعلى الرغم من أن النمو الانفعالي هو منبع الخيال و الأعمال اللاانسانية فان ضرورة حسن رعاية هذا الجانب تتأكد في هذا الباب تحسبا من أن ينقلب ذلك الى مظهر سلبي يؤثر على اتجاهاته النفسية

 و العادات الداخلية التي تثير الانتباه خاصة اذا عرفنا أن المراهق في مرحلة التقيلد يتبنى نماذج عامة من أبطال و شخصيات معروفة في التاريخ و في المخيال الشعبي و يندفع نحو تبني هذه الشخصيات

و القيام بما قد ينافى العادات الاجتماعية التي كان يعتبرها امتدادا لسلطة الأب فيكون النشاز في السلوك.

تاثير التلفاز على أوقات الفراغ عند الأحداث و المراهقين

عندما يتوفر الأطفال على التلفزيون فانهم يستعملونه استعمالا يثير الانتباه ففي عدد كبير من البلدان يقدر عدد الساعات التي يخصّصها تلاميذ المدارس الإبتدائية المتراوحة أعمارهم من ست سنوات إلى إثنتي عشرة سنة لمشاهدة التلفاز تصل إلى معدل إثنتي عشرة ساعة و تمتد إلى أربع و عشرين ساعة في الأسبوع.

و إذ يختلف معدل الوقت الذي يقضيه الطفل أو المراهق أمام التلفزيون من جهة إلى أخرى داخل البلد الواحد أو من بلد إلى آخر فإنّ ذلك راجع إلى تفاوت شبكات و قنوات التلفزيون قلة أو كثرة أو هو راجع إلى الإختلاف الحقيقي في الإهتمام الذي يوليه الأطفال للتلفزيون. و حسب بعض الباحثين النفسانيين فإن سحر التلفزيون و جاذبيته تفسر بصنفين من الأسباب أولهما سبب بديهي يتمثل في اللذة السلبية المترتبة عن التسلية و عن الحياة في عالم الخيال و عن المشاركة بصورة غير مباشرة في مغامرات مثيرة و عن التعاطف الذي يؤدي بالحدث إلى أن يحل نفسه محلّ الشخصية الروائية المغرية و المشوّقة و عن نسيان صعوبة الحياة اليوميّة الواقعيّة و الإفلات من سامتها ثانيهما أن التلفاز عنصر إخبار لا يخلو من أهمية و لا يحتاج إلى جهد و بحث فهو وسيلة تعبير سرريعة أيسر من المطالعة.

و حتّى نؤكد ذلك يصرّح بعض الفتيات أنهن يتعلمن بواسطة التلفاز كيفية تسريحة الشعر التي يحسن اختيارها و كيفية المشي و الطريقة المثلى في الكلام و ماهي الملابس التي تليق بهن حسب بدانة القامة أو نحافتها و ذلك بملاحظة طريقة السّيدات اللائي يظهرن على الشاشة إضافة إلى تعلم بعض التفاصيل المتعلقة بالعادات و التصرّفات.  

و يصرّح الفتية أيضا بأنهم يتعلمون بواسطة التلفاز طريقة لباس الشّباب في العالم الغربي أو في أمريكا و طريقة اللعب متأثرين بمشاهدة الرياضيين الممتازين. و عندما يريد الباحث الوصول إلى معرفة دوافع نفسيّة سيكولوجيّة أكثر عمقا لظاهرة الإهتمام بلتلفاز يجدها تتلخص في أن الجهاز المذكور في متناول اليد و سهل الإستخدام و أنه وسيلة للإفلات و الإبتعاد عن الحياة الإعتيادية المملة و أنه وسيلة لمعرفة الحياة الواقعية معرفة أحسن فهو يتيح فرصة للطفل لاكتشاف الحقيقة و التوغل فيها إضافة إلى أن التلفاز يسمح لهم بتقمص شخصيّات مختلف الأبطال التي تحظى بإعجابهم.

إنه رغم اعترافنا بتأثير التلفزة على سلوك المراهقين و الأطفال و لكن هذا التأثير تصعب دراسته فدراسة تأثيرات ما على الكائنات البشرية أصعب و أكثر تعقيدا من دراسة التأثيرات على الأشياء خصوصا أننا لا نستطيع أن نجري تجارب على الإنسان كما هو شأننا مع الأشياء.

و عموما فإنّ أقل ما يمكن تأكيده أنّ للطفل على برنامج تلفزيوني معين ردود فعل قاسية فالتأثير يتغلغل في داخل نسق عصبي سبق له أن درّب عليه تدريبا طويلا. و كما يمكن للتلفاز هذا المؤثر أن ينضاف إلى التكوين المكتسب و يؤثر على ردود الفعل و باستجابة الطفل إلى برنامج تلفزيوني تكون علاقته مع المحيط على مقتضى تلك الإستجابة.

*عادل الشارني

التعليقات

علِّق