النساء الديمقراطيات : الوباء ليس قدر النساء والخروج من الأزمة يستوجب خطة طوارئ لإيقاف العنف وتحقيق المساواة‎

النساء الديمقراطيات : الوباء ليس قدر النساء والخروج من الأزمة يستوجب خطة طوارئ لإيقاف العنف وتحقيق المساواة‎

تصدر الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات اليوم 3 ديسمبر 2020 تقريرها عن العنف زمن الكوفيد 19. يعرض هذا التقرير تشخيصا لما عانته النساء ضحايا العنف خلال فترة الحجر الصحي الممتدة بين 16 مارس و30 أفريل 2020 وذلك انطلاقا من المرافقة اليومية التي قامت بها مراكز الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات للنساء للاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف في تونس وصفاقس والقيروان وسوسة وقد بلغ عددهن 206 ضحية عنف تلقوا تدخلات الاستماع المتضامن (121) والدعم النفسي (56) والتوجيه القانوني (82) والتدخل لدى مؤسسات التعهد سواء الصحية او الأمنية (27) وغيرها.

يأتي هذا التقرير في سياق تتواصل فيه الأزمة الصحية ليقف على الاخلالات الهيكلية والمؤسسية التي ساهمت في ارتفاع منسوب العنف خلال الحجر والتي تعمّقت اليوم بفعل الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية منتهيا إلى جملة من التوصيات الموجهة لأصحاب القرار ليتحملوا مسؤوليتهم في حماية النساء والتعهد بهن خاصة زمن الأزمات.

يستخلص من التقرير أنه، كما في كل الأزمات، وعلى عكس ما يروّج له من أن الجميع تساووا خلال الأزمة، فإن تأثير وباء الكوفيد كان أشد وقعا على النساء والفئات المفقرة معمّقا التمييز والفوارق المبنية على الجنس أو الدين أو العرق أو الانتماء الطبقي أو الحالة المدنية أو الجنسية. فالنساء اللواتي استهدفهن العنف بشكل أوسع هن اللواتي بسبب سياسات التفقير والتهميش تعانين أصلا من الهشاشة الاقتصادية ف57%   منهن هن عاطلات عن العمل و4.6 % هن معينات منزليات و11.6 % هن عاملات دون أن يستثني العنف النساء المشتغلات بشكل مهيكل.

لم يستثن العنف النساء من مختلف الأعمار خاصة الراشدات حتى أن من تتراوح أعمارهن بين 18 و30 سنة قد بلغت نسبتهن 98. 33 % أما من كان سنهن بين 31 و60 سنة فقد كان لهن النصيب الأوفر منه بنسبة 57.26% و6.9" قد تجازون سن الستين وللفتيات القاصرات كذلك نصيب.

يفيد التشخيص أيضا وعلى عكس ما يتوقع، أن أغلب المتعرضات للعنف هن النساء المتعلمات في المستوى الثانوي (40.29% ) والجامعي (28.46% ) ما قد ينبه إلى التحولات العميقة التي عاشها ويعيشها المجتمع التونسي منذ فترة الحجر الصحي حيث أن النساء المتعلمات واللواتي اكتسبن حدا أدنى من الوعي بحقوقهن تصرن مستهدفات أكثر ، ربما لتعبيرهن عن رفضهن للأنماط التقليدية، بالعنف بعد أن فرضت عليهن العودة القسرية للفضاء الخاص.

 

 

بالنسبة لأنواع العنف، يبيّن التقرير أن العنف الزوجي هو الأكثر شيوعا بنسبة 67 %  ما يؤكد ما نبهت إليه الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منذ الأيام الأولى للحجر وهو أن الفضاء الزوجي والعائلي هو الأخطر على النساء والأكثر تهديدا لأمانهن. ورغم منع التحرك في الفضاء العام، لم يخل هذا الأخير من العنف الجنسي ( 7 %  وتحرش جنسي).

علاوة على البيانات المتعلقة بالضحايا وأشكال العنف التي طالتهن، أعطى التقرير نبذة عن الصعوبات التي واجهتهن خلال الحجر ومنعتهن من الحماية وجميعها أسباب هيكلية تتعلق أساسا بغياب الاستشراف من قبل الحكومة حيث لم تقم بالربط بين إجراءات مقاومة الكوفيد وما ستخلفه لدى النساء في مجتمع محكوم بالنواميس الذكورية.

لقد كشفت أزمة الكوفيد عن أزمة أقدم تتعلق أولا بعدم تطبيق القانون عدد 58 وعدم تسخير الميزانيات اللازمة على مدى ثلاث سنوات لتوفير آليات وتركيز مؤسسات الحماية والتعهد العمومي بالضحايا وثانيا عن غياب الاستشراف وعدم اتخاذ الدولة لإجراءات تناسب اللحظة الاستثنائية التي مرت وتمر بها اليوم البلاد لتكون قادرة على أخذ قضية العنف من ضمن محاور وأولويات العمل ضمن استراتيجية مقاومة الوباء.

غياب التطبيق الفعلي للقانون والاستراتيجية المتكاملة تجلى في الصعوبات التي واجهت الضحايا والتي رصدها التقرير ومنها حالات عدم الجدية في التعامل مع شكاوي ضحايا العنف وأحيانا العنف المضاعف الذي لاقينه من قبل أعوان الأمن الذي يحاولون منع الضحايا من تقديم شكوى أو يرفضون كليا تلقي شكاويهنّ بحجة أنها ليست من ضمن أولوياتهم الأمر الذي دعا الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات للتدخل لدى المؤسسات الأمنية بما فيها الوحدات المختصة في تلقي شكاوى العنف التي أحدثت بمقتضى القانون عدد 58 وذلك لدفعها للقيام بعملها. تتمثل الصعوبات أيضا في عدم اتخاذ السلطات إجراءات استثنائية وخاصة بضحايا العنف في الفترة التي تعطلت فيها تقريبا كافة هياكل الدولة إذ على المستوى الصحي مثلا لم تتوفر لحظة تركيز كل مجهودات القطاع الصحي على مقاومة الكوفيد مسارات خاصة بضحايا العنف مما صعب وصولهن للمستشفيات سواء للحصول على أبسط الحقوق ومنها العلاج أو كذلك للحصول على شهادة طبية تمكنهن من الشروع في إجراءات التقاضي.

ولم تقدم الحكومة أي بديل عند منع الجولان والتنقل للنساء ضحايا العنف كرخص استثنائية لمغادرة محل الزوجية مما جعلهن مجبولات على الإقامة مع معنفيهن وفرض عليهن عزلة ورقابة حقيقية.

للوصول إلى العدالة، في الوقت الذي احتاجت فيه الضحايا إلى تنفيذ الإجراءات الحمائية من قبيل إبعاد المعتدي عن مكان إقامة الضحية ومنعه من الاتصال بها، اضطرت المعنفات الى انتظار العودة التدريجية للمحاكم حيث تأخرت السلطات المعنية في اتخاذ قرار بعودة قضاة الأسرة للعمل بما في ذلك لتقديم أوامر الحماية كتدابير استعجالية تؤمن الضحية من وقوع العنف أو ازدياد خطورته عند استشعاره. كشفت الأزمة كذلك عن ضعف موارد المؤسسة القضائية وتخلف وسائل عملها إذ في الوقت الذي عملت فيه أغلب مؤسسات الدولة عن بعد وباستعمال وسائل الاتصال الحديثة، لم يكن ممكنا لضحايا العنف تقديم الشكاوى لوكلاء الجمهورية أو مطالب الحماية لقضاة الأسرة عن بعد.

حتى بعد العودة تدريجيا للسير العادي للمحاكم، عاينت الجمعية تلكؤ وكلاء الجمهورية خاصة في اتخاذ تدابير استعجالية وأساسا في الإذن بإبعاد المعتدي وهو ما يرتبط أساسا بالعقلية الذكورية لدى بعض القضاة والذين يعتبرون أن ارتكاب الاعتداء والعنف لا يمكن أن يؤدي إلى "حرمان رئيس العائلة من المسكن الزوجي" ولو كان يشكل خطرا على الزوجة والأبناء.

هشاشة البنية التحتية للتعهد بالنساء ضحايا العنف كانت من أكبر العوائق إذ أغلقت أغلب المراكز أبوابها خوفا من انتقال العدوى ما لم يمكن الضحايا من الاستماع والإرشاد والتوجيه وخاصة الإيواء ما عدى ما توفره الجمعيات المتدخلة في المجال والمركز اليتيم الذي وضعته وزارة المرأة بشكل مؤقت. بدا غياب البنية التحتية واضحا اذ اعتمدت الدولة تقريبا بشكل كلي على تدخل المجتمع المدني ولا أدل على ذلك من نسبة النساء المعنفات اللواتي وجهتهن مؤسسات الدولة لمراكز الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والتي تجاوزت 70 % .

في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نقف على هذا التشخيص اليوم، أولا، لأننا لم ننجح إلى حد الآن في التخلص من وباء الكوفيد وآثاره الصحية والاقتصادية والاجتماعية بل لعل هذه الأزمة قد تؤدي في سياق الحراك الاجتماعي المتصاعد إلى أزمة سياسية ربما تحدث جملة من التغييرات في المشهد العام خلال الفترة القادمة ولا يمكن لهذه التغييرات أن تمر دون أن تلقي بظلالها على النساء. وفي هذا السياق تتعالى أصوات كثيرة لطرح مبادرات للخروج من الأزمة وهو ما لن يتحقق إذا ظلت قضايا العنف وحقوق النساء على هامش تلك المحاولات. ثانيا، هذا التشخيص يستدعي إجابات عاجلة لا تقبل التأجيل فمنسوب العنف كما كان مرتفعا قبل الوباء تواصل نسقه بعد الوباء لكننا نعتبر أن قدر النساء هو المساواة والكرامة الإنسانية وأن العنف ليس مسألة حتمية إذ يمكننا مجابهته ومن واجب الحكومة التصدي له.

وعليه فإن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تدعو الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها تجاه النساء عامة وضحايا العنف على وجه التحديد من خلال:

·       الالتزام بتطبيق القانون عدد 58 لسنة 2017 للقضاء على العنف ضد المرأة خاصة في قطاعات الصحة والأمن والقضاء واتخاذ التدابير الرادعة لكل من ينتهج التلكؤ أو التباطؤ في تفعيل القانون.

·      وضع خطة طوارئ، على غرار عديد الدول، تقوم على إيجاد وسائل تدخل بسيطة وفعالة وسريعة لتقديم الدعم والحماية للنساء ضحايا العنف الزوجي بما في ذلك زيادة عدد مراكز ايواء الضحايا وأطفالهنّ في كل الجهات وتوفير مناوبات لتقديم التوجيه والمساعدة النفسية والقانونية لهنّ في مختلف الهياكل خاصة منها الاجتماعية.

·      وضع محور القضاء على العنف ضد النساء وإلغاء التمييز وتحقيق المساواة بين الجنسين على أجندة كل محاولات الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تمر بها البلاد فلا يمكن لهذه الأخيرة أن تنجح ونصف المجتمع يعاني أوبئة العنف والتمييز والتفقير.

التعليقات

علِّق