المجد للمقاومين

المجد للمقاومين

ترجمة: علي إبراهيم

إنّ أكثر ما يثير السخط في الدراما الفلسطينيّة، بالطبع، هي وحشيّة المحتلّ، وعجرفته الاستعماريّة، وازدراؤه لأرواح الآخرين، ووقاحته في القتل، وغطرسته كمنتصرٍ من خلال نصرٍ سهل، وضميره الحنون حين يضغط على الزناد، وجبنه حين يقتل المدنيّين، وإدمانه على الجريمة. ولكن أيضًا هو سوء النيّة الذي لا يمكن سبر أغواره، هذا النفاق للمعتدي الذي يلعب دور المعتدى عليه، هذه الكذبة التي تخرج من فمه عندما يدّعي الدفاع عن نفسه، عندما يدين الإرهاب، عندما يجرؤ على توسّل الدفاع عن النفس، عندما يتحدّث عن معاداة الساميّة.

 

المقاتلون الفلسطينيون، هل هم إرهابيّون؟ كلاّ، هم مقاومون، مقاومون حقيقيّون، من طينة أولئك الذين يقاتلون من أجل الوطن، من أجل أرض أجدادهم، من أجل أن يعيشوا بسلام، يومًا ما، في هذه الفلسطين التي يريد الغزاة أن يسلبوهم إياها، من أجل هذه الفلسطين التي تعتقد الدولة الاستيطانيّة أنّها صاحبة الوديعة، بينما هي مجرّد محتلٍّ غير شرعيّ، مغتصب. دفاع "إسرائيل" المشروع عن النفس؟ لنكن جدّيّين: الدفاع الشرعيّ الوحيد عن النفس الذي يستأهل هذه التسمية هو دفاع الشعب الفلسطينيّ عن نفسه وليس العسكر الاستعماريّ؛  دفاع من احتُلّت أرضه ويقاوم وليس من يَحتلّ الأرض ويَضطهد. مقاومون يحقّ لهم القتال، ويعرفون أنّه إذا كان الشرف في صفّهم، فإنّ العار يكلّل الجانب الآخر.

 

قيل لنا إنّ المواجهة الحاليّة هي بسبب تصلّب المتطرّفين من كلا الجانبين. لكنّ هذه المساواة المتكرّرة بين الذي يحتّل الأرض وصاحب الأرض أمر يثير التقزّز، إنّه خدعة. متى كانت المقاومة متطرّفة؟ الاحتلال هو المتطرّف، بعنفه المتواصل، وهذا الإذلال الدائم الذي يلحقه بالسكّان، هذه الهيمنة الهيكليّة، هذا الحصارالذي لا يُطاق، والذي يثقل كاهل شعبٍ جريح، الذي تدلّ انتفاضاته، لحسن الحظّ، على أنّه لم يهزم.  كلاّ، المسؤولية النهائيّة عن العنف في فلسطين ليست مشتركة، فهي ليست مناصفة، لأنّ هذا العنف ناتج عن الاحتلال والاستيطان، والفلسطينيّون غير مسؤولين عن الظلم الذي تعرّضوا له.

 

هنالك قتلى من كلا الجانبين، نعم، ولا يوجد ما يبرّر وقوع إصاباتٍ في صفوف المدنيين. ولكن عندما تكون نسبة الخسائر من 1 إلى 30، فمن المخزي التظاهر بأنّها حرب كلاسيكيّة بين جيشين في معركةٍ نظاميّة. لأنّ هذه الحرب لم تبدأ اليوم، إنّها إبادة عرقيّة، ومحاولة لمحو الفلسطينيين الذين يُراد وضعهم في معازل الفصل العنصريّ الصهيونيّ. هذه الحرب ليست حربًا عاديّة، إنّها صراع بين قوّةٍ محتلّة ومقاومةٍ مسلّحة، ولن تكفي الدعوة إلى إنهاء العنف لوضع حدٍّ لها. إنّ ما هو بغيض وسخيف في الوقت نفسه في تصريحات الدبلوماسيّة الغربيّة هو هذه الدعوة الضمنيّة لنزع سلاح الفلسطينيّين. حيث تتمّ مطالبتهم بالتنازل والاستسلام، وبقبول النِّيْر، والتظاهر بجهل أسباب عدم قيامهم بذلك، لا اليوم ولا غدًا.

لا يزال هناك، بالطبع، هذا الاتّهام المتجدّد إلى أجل غير مسمّى والانعكاسيّ والغبيّ بشكلٍ مثير للشفقة والمقرف بنفاقه، بمعاداة السامية والذي يتمّ رميه في وجه كلّ من يدعم نضال الفلسطينيّين. ومع ذلك، لو كانوا يعرفون، هؤلاء المحتالون، إلى أيّ حدّ تكفينا معاداة الصهيونيّة، وكيف تعبّر بوضوح عما يجب الدفاع عنه. معاداة الساميّة، عندما يتمّ إثباتها، وصمة عار لمن يشعر بها. ولكن عندما تستخدم في اتّهام معاداة الصهيونيّة، فهي وصمة عار لمن يوجّه هذا الاتّهام الباطل. لا يزال بإمكانكم التلويح بهذا الافتراء، لكن احذروا، فقد يرتدّ عليكم يومًا ما.

إنّها قوّة الدعاية القهريّة، عندما تتسبّب بالانتقال الخبيث من مصطلح إلى آخر، عندما تنتج الانقلاب الخبيث الذي يتحوّل بموجبه الجلاّد إلى ضحيّة، وتسمّى معاداة الصهيونيّة معاداة الساميّة. لقد فهمنا الأمر. إنّ هذا الاتّهام هو سلاح ترهيبٍ واسع النطاق، يسمح للحكومات الخانعة، المسرورة بخدمة الإمبرياليّة والصهيونيّة، أن تشتري لنفسها ضميرًا حيًّا زائفًا. إنّها دبلوماسيّة يُرثى لها، تواطؤ في الجريمة التي تتمّ زحرفتها بكلّ الفضائل، والتي لا تعرف وصولًا إلى الحضيض. لقد أدرك الفلسطينيّون منذ فترةٍ طويلة أنّه ليس لديهم ما يتوقّعونه من هؤلاء الأوروبيين الذين سيخنقهم جبنهم يومًا ما.

Bruno Guigue *   موظّف فرنسي كبير سابق، كاتب مقالات ومختصّ بالسياسة، ولد في مدينة تولوز سنة 1962. درس في المدرسة الوطنيّة العليا وفي المعهد الوطنيّ للإدارة. أستاذ فلسفة ويحاضر في العلاقات الدوليّة في التعليم العالي. له العديد من الكتب التي تُرجمت إلى ثمان لغات. من بين كتبه نذكر " في أصل الصراع الاسرائيلي-العربي: الندم الخفي للغرب"، سنة 1999، " هل يجب إحراق لينين؟"،  سنة 2001، "الاقتصاد التكافلي: بديل أم مسكّن للألم؟" سنة 2002، "أسباب العبودية" سنة 2002، "الشرق الأدنى: حرب الكلمات" سنة 2003. صدر كتابه الأخير "مقالات عن الإمبريالية" عن دار ديلغا للنشر في شهر كانون الثاني 2018 والذي كتب مقدّمته سمير أمين ونشر باللغة العربية بترجمتنا من قبل المعهد التونسي للعلاقات الدولية. أقيل من منصبه سنة 2008 بسبب انتقاده السياسة "الإسرائيلية" في مقالة نشرها على موقع oumma.com. متضامن ومتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة.

 

المصدر:

https://www.facebook.com/photo?fbid=2468690333276407&set=a.352229728255822

التعليقات

علِّق