الكوميديا الموسيقية "ماديبا" على ركح المسرح الأثري بقرطاج

الكوميديا الموسيقية "ماديبا" على ركح المسرح الأثري بقرطاج

 

"الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم... والشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة"... وهو كان شجاعا فاختبرنا موته مرة واحدة...
كان "نيلسون مانديلا" يؤمن بحكمة نادرة أن الحرية تستحق العناء، فصبر على السجن الذي الذي دخله وهو في السادسة والأربعين وغادره وهو في السبعين والكل يذكر كيف احتفى العالم بأسره بعيد ميلاد "مانديلا" السبعين وجعله يوما خاصا للمطالبة بالإفراج عنه، ليتحقق ذلك سنة 1990، وينتخب عام 1994 رئيسا لجنوب إفريقيا، ليكون أول رئيس أسود في تاريخ هذا البلد الذي أنهكته الحروب والتقاتل بسبب التمييز العنصري بين السود والبيض...
كرمت الدورة الثانية والخمسون لمهرجان قرطاج الدولي القائد الملهم "نيلسون مانديلا" من خلال الكوميديا الموسيقية "ماديبا" من إخراج "جون بيار حاديدا" ومن تأليفه مع "أليسيا سابريان"، و"ماديبا" هو اللقب الذي لازم "مانديلا" ويشير إلى القبيلة التي ينتمي إليها، ويدل الاسم أيضا على عراقة الرجل ورفعة أخلاقه
بين التمثيل المسرحي، والإيقاعات الإفريقية رقصا وغناء، استعرضت الكوميديا الموسيقية "ماديبا" رحلة الرمز "نيلسون مانديلا" الذي ولد في مناخ خانق فرض عليه بشكل ما دراسة القانون ليتحول إلى محام اصطدم بحقيقة التمييز العنصري بين السود والبيض... فالقوانين في جنوب إفريقيا وضعت فقط لإدانة السود، من هناك يقرر "مانديلا" أن يتمرد على كذبة "العدالة جنوب إفريقية"، فيستقطبه حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ويتحول في وقت قصير إلى أحد زعمائه... "مانديلا" شخصية جذابة وآسرة، كان قادرا على جمع المريدين من حوله...
في مناخ مليء بالضغينة والتمييز العنصري، قاد "نيلسون مانديلا" الكثير من الحركات الاحتجاجية لدفع الظلم عن السود، أخذته حياة النضال عن زوجته الأولى "إيفيلن" التي كان واضحا أن الاستمرار معها مستحيل فهي امرأة "بيتوتية" تريد حياة هادئة، وهو رجل لا يهدأ خلق ليكون زعيما، ينتهي الزواج بالطلاق، ويتعرف بعدها على "ويني ماديكيزيلا" التي نعرفها جميعا ب"ويني مانديلا" التي جمعهما النضال والحب...
في حركاته التمردية يتم إلقاء القبض على "مانديلا"، ويحاكم مع رفاقه بالسجن المؤبد ويودع في جزيرة "روبين" التي كانت منفى استعماريا يساق إليها كل من يهدد "أمن عام البيض" وهناك تكشف المسرحية عن وجه آخر لمانديلا، الصابر على الأذى... حرم من لقاء عائلته، ولم ير ابنته إلا وهي شابة، وعذبت زوجته "ويني" التي عرفت بدورها المعتقلات، وحرم من حضور جنازة أمه وابنه، ووضع تحت المطر عاريا، وكان ينقل الحجارة ويقضي النهار في تفتيتها إلى حصى... توقع السجان أن "مانديلا" سيتمرد، ولكنه صابر، يستجيب إلى الأوامر!
يغادر "مانديلا" سجنه الانفرادي إلى سجن جماعي (بولسمور) ثم "فيكتور سيرستر" ومن هناك انطلقت سلسلة المفاوضات حول تشريك السود في السلطة قبل أن يطلق سراحه سنة 1990
خارج السجن، يتعرف "مانديلا" على وجه آخر لزوجته "ويني" التي ترفض قبوله بتقاسم السلطة مع البيض، وتقود حملة معاكسة تنادي بالقصاص في الوقت الذي يدعو فيه هو إلى السلام... وينقسم السود في ما بينهم... وتدخل "جنوب إفريقيا" في حرب طاحنة... ينكسر "مانديلا" أمام خيانة زوجته "ويني" من خلال صورة تجمعها بعيشقها نشرتها إحدى الصحف... هنا يقول "مانديلا" إن السجان لم يدمر فيه شيء سوى علاقته برفيقة الدرب...
قبل انتخابات 1994، يظهر "مانديلا" على الشاشة ليقول إنه سامح سجانه، وعلى السود أن يسامحوه أيضا لأنه قائدهم وعليه أن يتبعوه... هو سامح سجانه تجنبا لإراقة الدماء... كان يمكنه أن بثأر من السجان الذي أكل أجمل سنوات عمره وحرمه من حريته ومن صغاره، ولكنه ترفع عن القصاص لأن أحلامه كبيرة... كان يحلم بوطن لا تراق فيه الدماء... كان يريد أن يقضي على التمييز العنصري، ولهذا اعترف السجان نفسه أن "مانديلا" مختلف... ولهذا هو أيضا رمز اليوم
"ماديبا" كوميديا موسيقية احتفت برجل سخر حياته للقضاء على العنصرية في بلده، واجه الكثير من الضغوط ولكنه كان قوي الإيمان بأن اليوم الذي سيتصافح فيه السود والبيض سيأتي لا محالة... أكل الحلم سنوات كثيرة من حياته، ولكن تحقق الحلم في النهاية وانتهت المسرحية بيد بيضاء امتدت لتصافح يدا سمراء مجسدة وحدة جنوب إفريقيا وقضاء "ماديبا" على العنصرية

 

التعليقات

علِّق