القطع مع العقلية الإقليمية القديمة القطع مع العقلية الإقليمية القديمة

القطع مع العقلية الإقليمية  القديمة  القطع مع العقلية الإقليمية  القديمة

بقلم : د.نور الدين بن منصور

لم يعد بإمكان تونس الجديدة أن تدعم التقسيم الإقليمي الحالي لعدة أسباب. إن الوضع الجديد الذي نتج عن سقوط النظام القديم ونظرا لما الت اليه الاوضاع فان المستقبل يفرض توزيعا إقليميا جديدا يكسرمنوال الماضي ويخلق عقلية جديدة ويضع حدا للجهوية الإقليمية العديمة التي تراكمت منذ الاستقلال.
ولا يمكن إقامة تونس جديدة دون ظهور المناطق التي تكون داعمة بعضها البعض وذات تنافسية شريفة في نفس الوقت، حيث يسودها الوئام وتوجد روح من التفاهم ومضاهاة صحيحة. إن المناطق او الجهات التي تكمل بعضها البعض هي دعائم التنمية الاقتصادية المستدامة وهي ركيزة مستقبل واعد. يجب أن نقطع مع العقلية الإقليمية القديمة (ساحلي، بيلدي، 08، ك ج ب، جندوبي ...) ووضع أسس جديدة لتونس التي تحملها مناطقها و شعبها.
ويبدو أكثر جدوى بالنسبة للتنمية الاقتصادية المضي قدما في تقسيم إقليمي جديد وخلق وضع جغرافي مغاير لما هو موجود الان و  يتماشى مع المبادئ التوجيهية الاقتصادية الجديدة التي يجب أن تعتمدها تونس. ويتمثل الهدف الرئيسي لهذا التهيئة الإقليمية الجديدة في وضع حد للتفاوت الجهوي، في أقرب وقت ممكن، للتفاوتات الإقليمية الجهوية التي شهدها البلد وإرساء بسرعة الدعائم الاقتصادية الجديدة اللازمة لنجاح القدرة التنافسية الإقليمية. دولة متطورة هي تلك التي بها توزان على مختلف المستويات بدون عناء كبير مثل الذي يجب بذله في نظام دولة مركزي. كلّ جهة يكون لها حرّية ذاتيّة واستقلال مادي  ولها حريّة التصرف في البنى التحتيّة الراجعة لها بالنظر زيادة على حرية التصرف المالي.
التقسيم الجهوي الإقليمي الجديد لا بد ان يكون غايته النموالاقتصادي و العدل الاجتماعي. هدفه الاساسي هو تقريب الجهات و المواطنين بعضهم لبعض و نبذ النعرات و التعصب الجهوي والقبلي اللذان مازالنا نراهما في بعض الجهات. التقسيم الجهوي الجديد لا بد ان ياخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة بحيث ان كل واحدة لها ما يميزها عن الاخرى سواء كان ذالك من ناحية الموروث التارريخي من عادات و تقاليد او خاصيتها المناخية او الفلاحية او السياحية و غيرها من المميزات. ثم لا نسى ان الوضع الجديد الناتج سيكون دعامة للمواطنين حتى يصلحوا من انفسهم و يساهمون صفة طوعية للعمل باكثر جدية و بروح تضامنية كلها حب و احتراما للاخر. الهدف لاساسي هو اعطاء الفرصة للجميع للانخراط طواعية و بدون أي خلفيات ذاتية منفعية للمساهمة في العمل الجاد لفائدة المجموعة. هذا المناخ الجديد هو حافز للمشاركة مع الاخرين في خلق الثروة لذاته وللمجموعة. كل هذا لا يمكن ن يتحقق بدون استراتجيا مدروسة و مهيئة باحكام استشرافي ومتواصلة و برامج عمل دقيقة ذات اهداف قريبة و بعيدة مع وضع اليات التقييم و الاصلاح المستمر لكل جهة ومع الاخذ بالاعتبار الخاصيا الذاتية لكل واحدة لحالها .
علينا ن نعي بان التقسيم الجديد فرصة بها نسطتيع مكافحة الفقر و الخصاصة والوضع النموي المتدهور. مثال الدول الاسوية التي كانت بالماضي القريب دولا فقيرة و متخلفة و مستواها المعيشي متدني واقل بكثير مما هوعليه في تونس. نراها اليوم في صف الدول المتقدمة.
غير أنّ اللّامكزيّة لا تكون ناجحة إلّا بتوفّر بعض الشروط و من  أهمّها توفير الموارد الماليّة الضروريّة و التي بواسطتها تتحقّق حاجيات المجتمع بمختلف أنواعها ومكافحة الفقر و البطالة؛  ولكن كيف يمكن تحقيق ذالك وما هي مصادر ذالك يمكن أن نذكر؛ نحتاج اليوم نوعا جديدا من التمنية ألآ وهي التنمية الشعبيّة أي على كلّ مواطن أن يساهم طوعيّا في خلق الثروة همن هنا كانت الدولة مجبورة لخلق الظروف لإنجاحها؛ثمّ لا ننسى دور المجتمع المدني في انجاح هذا النموّ؛
زيادة على وسائل التنمية التقليدّيّة كالضرائب على الدخل، على الأرباح و غيرها من الضرائب المباشرة يجب خلق نوع جديد من الضرائب يهمّ بالدرجة النشاطات التابعة للبلديّات. لا يمكن نجاح نظام لامركزي الا بارساء عدالة جبائية تطبق على كل المواطنين و كل القطاعات بصرامة و ودقة.
حسن استغلال المخزون الجهوي
تونس مطالبة بكل إلحاح  ان تكون لها سياسة نمو جهوي متماسك  حتى تتمكن من تحسين المردودية الاقتصادية. توجه جديد يجب  سلوكه مرتكزا على قواعد عصرية آخذة في الاعتبارواقع البلاد و البحث عن السبل الموصلة الى تحسين الظروف المعيشية للمواطن. في هذا الاتجاه كان من اللزوم الاستراتجي اعادة النظر في برامج التنمية في المناطق الريفية وذالك باعادة تقييم  حسن استغلال المخزون الريفي في الجهات الفلاحية وخلق ممؤسسات صغرى بالتوازي مع خلق نشاطات جديدة و متجددة مع تدعيم افاق المعرفة و التجديد.
عادة ما ننسى ان التطور و بالأحرى النمو الجهوي مهما كان مستوى البلاد هو رهينة قبل كل اي اعتبار آخر و بالدرجة الأولى  وجود اتصالات مباشرة و سريعة ما بين السلطات الجهوية المحلية و رؤساء المؤسسات بمختلف دراجاتهم ورجال العلم والجامعيين و مراكز التكوين وغيرها. التوافق و التعاون والاتفاق بين هؤلاء الاطراف هو حتمي و ضروري من اجل تطور نمو اقتصادي متعادل مباشرة. حتى تكون مشاريع تطويرالنموالجهوي ذات نفع و ناجحة يجب بالدرجة الاولى  حصر و تقييم المعطيات الاقتصادية بما فيها من ثروات ومخزونات طبيعية بمختلف أنواعها والخاصيات المميزة للجهة وذالك بطريقة علمية وتكوين سجلات للتعريف بجدواها. كل تمشي يهم خلق الثروة في أي جهة من البلاد يجب ان يكون جزءا من العمل العام للاقتصاد الكلي  و التواصل لخلق الفرص الشغل. 
انجاز دراسة مستفيضة تخص تركيز اللامركزية في تونس شيء اكيد و ضروري.هذه الدراسة يجب ان تكن مرتكزة على معطيات حديثة و محيّنة من طرف مختصّين مشهود لهم بالكفاءة و التجربة و النزاهة.اتصالات مباشرة وزيارة ميدانيّة غايتها آلوقوف على حقيقة الاوضاع بمختلف انواعها ومن ثمَّ حصرها.الوقوف على الوضع الإجتماعي والإقتصادي للمتساكنين شرط أساسي لكلّ برنامج تركيز الامركزيّة و تقسيم جهويّ إقليمي جديد. يجب الانتباه الى شيء اكيد الا وهو  لاعداد ناجح للاستراتجية الاقتصادية والتنموية للتقسيم الجديد   عدم ترك هؤلاء القدامى بالقيام بهذه المهمة شرط اساسي و ولنجاعة المسار الاقتصادي التنموي الجديد. ومن المعروف ان بعض من مكاتب الدراسات في العهد البائد يعطون النتائجحسب رغبات الطلب و اهم مثال على ذالك سيغما كونساي (الاسم هذا يعني بالعربي س استشارات لان كلمة سيغما كلمة يوناننية ترمز الى  حرف س العربي) اي على المقياس اي حسب الطلب، ولقد قاموا بتزوير كل شيء. المنوال التنموي القديم ما زال سائر المفعول الى يومنا هذا و لقد  خلق فيئة لها كل الامتيازات المادية والمعنوية وجعل منها سيفا مسلطا على رقاب التونسيين. الاعتراض و الاحتجاج ممنوع. ابداء الراي المخالف يقود الى السجن.     
السؤال الكبير هو اي نوع من التقسيم الاقليمي يجب تبنيه و تطبيقه في  تونس؟
التنمية المحليّة ترتكز أساسا على أساس التفاهم و التراضي لما فيه خير لصالح المجموعة و نجاح اللّامركزيّة رهينة المساهمة الفعّالة والمباشرة لكلّ المواطنين بدون إسثناء أو إقصاء. سياسة التنمية المحليّة التي طبقت منذ الاستقلال لم تكن إيجابيّة, مبنيّة على بررامج غير دقيقة و غير عملية  غايتها الدعاية، بل عمّقت الاختلالات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية الرئيسية وذالك لفقدانها الهيكلة الناجعة. البرامج المقترحة لم تسطع إزالة المشاكل الإجتماعيّة  وخلق مجتمع مدني واعي. حتّى تكون اللّامركزية ومن هنا آلتنمية المحليّة ذات النجاعة القصوى لا بدّ أن يكون محورها المواطن أي تحسين وضعه باستمرار
إن اللامرکیزية déconcentration   ھي عملیة تطویر الدولة الوحیدة بدون اعتبر شعبها، التي ترتكز علی إنشاء سلطات إداریة تمثل الدولة في الدوائر الإداریة المحلیة. هذه السلطات تفتقر إلى أي استقلالية وشخصية أخلاقية.
لابد ان نفرق بين اللامركزية واللاتركيزية وهذه الاخيرة ليس الا طريقة مبطنة للتسلط الاداري الغير المباشر على المواطنين وهذا ما كانت عليه البلاد.
وحتى تكون اللامركزية اساسا لتكوين الدقمراطية و ارساء مجتمع مدني متطورو متضامن لا بد ان يواكبها قوانين تشريعية و تنظيمية ذات صبغة انسانية مرتكزة على أسس ديمقراطية ولذا  و حتى يكون هذا المسار ايجابيا  سهل التطبيق لا بد من تكوين الادريين لهذا الشأن وتحضيركل المستلزمات و انجاز قوانين حتى يسهل تطبيق الاجراءات ومن هذه القوانين:
قانون يتعلق بتحديث الإجراأت العامة الإقليمية والمحليّة والتركيز على إرساء المدنية
قانون يهمّ تعيين المناطق، والانتخابات الإقليمية والمحليّة، وتعديل الجدول الزمني للانتخابات إذا إقتضى الأمر
قانون دستوري  متعلق بالتنظيم اللامركزي وآلياته التطبيقيّة
قانون يخصّ الديمقراطية المحلية
قانون يتعلّق بتطوير مستدام لللامركزيّة
قانون يُعْنى بحقوق وحريات البلديات والمجموعات المحليّة والإدارات والمناطق
قانون يكرس العدالة الاجتماعية التي من مهامها تطبيق اسراتيجاية المواطنة و الشفافية
قانون يهم الاقتصاد الاخضر و الطاقات المتجددة وغيرها من القوانين.

وباختصار، فإن اللامركزية هي بالتأكيد حلا سحريا ينبغي أن يؤخذ بمهنية كبيرة، مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولكنها ضرورة. وبعيدا عن سوء فهم بعض ما هو عليه حقا، وعلى الرغم من فعاليتها البطيئة، فإنها تشكل طريق الصعود نحو ديمقراطية حقيقية. ولكن لكي تكون اللامركزية ناجحة في أفرقيا عموما ، يجب أن تكون مصحوبة بتعدد الثقافات، وفي تحقيق التنوع الوطني تتحقق الوحدة الوطنية أيضا.
وفي النهاية نستطيع أن نقول إنّ اللّامركزيّة نظام يجب تطبيقه فى تونس ولكن لا بد من أخذ العبر من الدول التي نجحت في تطبيق هذا المنهج وتهيئة الظروف التطبيقية الملائمة والناجعة من طرف مسؤولين مشهود لهم بالكفاءة.

التعليقات

علِّق