العويني دافع عنها في المطلق واليوسفي استثنى " المجاري " : ما الفرق بين حرية الصحافة والتهوّر و " قلّة الحياء " ؟

في برنامج " ناس نسمة " وفي إطار النقاش الذي دار حول إحالة عدد من الزملاء ( من فريق ناس نسمة وزملاء آخرين وضيوف البرنامج ) على التحقيق لدى الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بالقرجاني تم التطرّق إلى موضوع حرية الصحافة التي باتت مهددة ومستهدفة بصفة أو بأخرى أكثر من أي وقت مضى . ولم يخل النقاش من بعض الخلافات خاصة بين المحامي عبد الناصر العويني وبين الزميل محمد اليوسفي رئيس تحرير موقع " حقائق أون لاين " وخاصة عندما ذكر اسم " الحاج منصور " و " الثورة نيوز " ومسألة إحالة الرجل على القضاء العسكري. فقد اعتبر العويني أن حرية الصحافة والتعبير كتلة واحدة موحّدة لا يمكن تجزئتها مهما كانت الظروف وأن الدفاع عن حرية الصحافة لا يفرّق بين صحافة تحترم المهنة وضوابطها وبين صحافة يرتقي بعضها إلى مرتبة الفوضى ولا يحترم أي عرف ولا يتقيّد بأيّة ضوابط ... وبالتالي فإن الدفاع عن هذا وذاك في الآن ذاته واجب على أهل المهنة وعلى كافة من يدافعون عن حرية الصحافة والتعبير في المطلق . أما اليوسفي ( وفي انفعال واضح ) فقد ضمّ صوته إلى الأستاذ العويني في مسألة الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير لكنّه استثنى " صحافة المجاري " التي لا ضوابط لها لأنها لا تستجيب إلى أبسط معايير العمل الصحفي فتنتهك أعراض الناس وتسبّ وتشتم وتشهّر بالأشخاص والمؤسسات دون أي رادع لا ذاتي ولا قانوني . واستغرب اليوسفي كيف يدافع محام ( أو غيره ) عن " أشياء " تشبه كل شيء إلا الصحافة . وأمام تباين الموقفين فإن السؤال المفترض : هل هناك فرق بين حرية الصحافة والتعبير وبين التهوّر الذي لا يمكن تصنيف بعضه إلا في خانة قلّة الحياء حتى لا نقول أشياء أخرى ؟.
هذا الموضوع كبير ومتشعّب من كافة الجوانب القانونية والأخلاقية والمهنية وغيرها . فالقانون التونسي لا يمنع أي طرف ( ذات مادية أو ذات معنوية ) من بعث وسيلة إعلامية مهما كان نوعها . وبعد 14 جانفي 2011 ألغيت مسألة الترخيص المسبّق وعوّضه " الإعلام " في بعض الحالات وكراس الشروط في حالات أخرى وبقيت بعض القطاعات كالإعلام الإلكتروني ضبابية نوعا ما . والقانون التونسي يسمح تبعا لذلك للمقاول والتاجر والخضار ومربّي الماشية ( مع احترامي لكافة المهن الشريفة ) بإنشاء الصحف والإذاعات والقنوات التلفزية وغيرها . ولئن يفترض أن يعهد الإشراف على التحرير إلى اصحاب المهنة المحترفين فإن الكثير من المؤسسات الإعلامية لا تحترم هذا المنطق فأصبحنا نجد مديرين ورؤساء تحرير لا علاقة لهم إطلاقا بالصحافة والإعلام لا من بعيد ولا من قريب . وإذا أضفنا إلى هذا الخور سيطرة المال ( الفاسد في مجمله ) على بعض وسائل الإعلام ومحاولة السياسيين أو لنقل أغلب السياسيين وضع اليد على الإعلام من أجل أن يخدم مصالحهم يحقّ لنا أن نقول إن الحابل اختلط بالنابل فانتشرت دكاكين الصحافة وانتشرت صحافة القمامة والمجاري التي تموّل من قبل أطراف معروفة لدى الإعلاميين ولدى السلطة بمختلف درجاتها ورؤوسها وحتى لدى عموم الشعب . لكن المؤسف حقا أنه لا أحد استطاع إيقاف النزيف وإيقاف هذه المهزلة التي شوّهت الإعلام النزيه وأعطت الفرصة للكثير من الناس حتى يضعوا الجميع في سلّة واحدة مع ما في ذلك من ظلم وحيف وتجنّ على الإعلام النزيه الذي يعاني ويلات التمويل بسبب أنه اختار أن يرفض الإصطفاف وراء المال الفاسد أو وراء السياسيين أو بعض التمويل الأجنبي المشبوه وأيضا بعض التمويل المجهول .
وبناء على كل ما سبق أعتبر أن موقف اليوسفي هو الموقف الذي يتبنّاه أغلب الصحافيين الأحرار بالرغم من أنه لا يحقّ لي التحدّث باسمهم . فأنا ربما أسمح لنفسي بحكم خبرة أكثر من 32 عاما عاصرت فيها عهود بورقيبة وبن علي وما بعد " ثورة " 14 جانفي فأقول إنني أساند بلا قيد ولا شرط كل من يدافع عن حرّية الصحافة وحرية الرأي والتعبير لكنّني لا ولن أدافع عن أي شخص رمته الظروف والأقدار فنزل من السماء السابعة على الصحافة وشوّهها وأساء إليها وإلى أحرارها . ولن أدافع بأي شكل من الأشكال عن " الفقاقيع " الصفراء التي تهتك أعراض الناس علنا ولا شيء يردعها . ولكم أن تسألوا عن مئات القضايا المرفوعة ضدّ أصحاب هذه الفقاقيع لكن إسألوا أيضا عن مآل تلك القضايا وهل عوقب واحد منهم فقط بينما ضحاياهم بالمئات . إن الدفاع عن حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير مبدأ لا حياد عنه . لكن أن ندافع عن القذارة فهذا لا يختلف عن الدفاع عن الظلم وتحويل المظلوم إلى ظالم وتحويل الظالم إلى مظلوم .
جمال المالكي
التعليقات
علِّق