الشرطة البيئية في تونس : هل تحوّلت إلى " فرقة التحويس واستهلاك الوقود " لا غير ؟
بتاريخ 13 جوان 2017 أعلنت وزارة الشؤون المحليّة والبيئة عن انطلاق جهاز الشرطة البيئية في نحو 74 بلدية بين تونس الكبرى ومراكز الولايات والبلديات ذات الصبغة السياحية ستشرع في " عمليّات بيضاء " لمدّة شهر قبل شروعها في رفع المخالفات والجنح المتعلّقة بتراتيب حفظ الصحّة والنظافة العامّة.
هذا الجهاز قدّر تمويله بنحو 8.3 مليون دينار متأتية بالخصوص من قروض المانحين الدوليين لدعم الحوكمة المحلية والتنمية الحضرية.
ويتمثّل دور هذا الجهاز في ردع كلّ مخالفي تراتيب الصحّة والنظافة العامّة والتوعية والتحسيس بالآليات اللازمة للحدّ من ظاهرة التلوّث وانتشار الفضلات في مختلف البلديات.
وقد قيل آنذاك إن هذا الجهاز سيبقى قيد التجربة إلى حين ثبوت فعاليته قصد تعميمه في كافّة البلديات.
الآن وقد مرّ على بعثه أكثر من 4 سنوات ماذا كانت الحصيلة وهل قام هذا الجهاز بالدور الذي بعث من أجله ؟ .
لقد علّق التونسيون آمالا كبيرة على هذا الجهاز وعولوا عليه في ردع الملوثين والحد من تدهور الوضع البيئي في البلاد. لكن الشرطة البيئية لم تنجح على ما يبدو في مهمتها ولم يساعد قربها من الميدان في حل معضلات البيئة المتفاقمة في العاصمة وضواحيها وبقية مناطق البلاد دون استثناء . ويرى البعض أن ذلك مرده الإمكانات المحدودة الموضوعة على ذمة الشرطة البيئية مقابل الحجم الكبير للتجاوزات.
ويبلغ عدد أعوان الشرطة البيئية في العاصمة مثلا 64 عونا وهم مطالبون بتغطية 15 دائرة بلدية (بمدينة تونس وضواحيها) باستعمال أربع سيارات فقط طيلة اليوم وأثناء الليل .
ويشمل نقص المعدات أيضا آليات قيس الحرارة والتثبت من عمل شاحنات التبريد أو أجهزة قيس التلوث الهوائي المنبعث عن وسائل النقل فضلا عن نقص التكوين الذي يبقى الأعوان في حاجة إليه خاصة مع وجود تدخلات تتطلب مهارات خاصة مثل قيس التلوث الهوائي المنبعث من عوادم السيارات. ويبلغ العدد الجملي لهؤلاء الأعوان اليوم في تونس حوالي 800 عون يعملون أيضا على مقاومة الانتصاب العشوائي والاستغلال المفرط للرص وغير ذلك من مخالفات .
وإذ لا تتوفّر حصيلة المخالفات التي سجلتها الشرطة البيئية منذ بعثها فإن عدد المخالفات التي تم تحريرها خلال شهري ماي وأفريل 2021 على سبيل المثال في 15 دائرة بلدية تابعة لبلدية تونس بلغ حوالي 20 مخالفة و تم توجيه 54 تنبيها لا غير.
وكان مشروع جهاز الشرطة البيئية قد تضمن إنشاء منصة للإبلاغ عن التجاوزات ووضع رقما أخضر وهو " 191 " على ذمة المواطن. غير أن هذه الآليات لم تر النور إلى اليوم حسب ما أفاد به مصدر رفيع من هذا الجهاز.
نجح أم لم ينجح ؟
ترى إيناس لبيض من قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن جهاز الشرطة البيئية " لم يأخذ مأخذ الجد من قبل إدارة الإشراف أي وزارة الشؤون المحلية والبيئة وخاصة من قبل المؤسسات الملوثة وحتى من قبل المواطنين ويتجلى ذلك بالخصوص في تنامي التجاوزات ".
ودعت إيناس لبيض إلى إيلاء هذا الجهاز ما يستحق من أهمية وتوضيح مهامه أكثر وتوسيع صلاحياته وتمكينه من الإمكانات المادية وتكوين أعوانه بما يمكّنه من أن يفرض نفسه كجهاز شرطة.
أما الخبيرة في البيئة عفاف الهمامي المراكشي فهي تعتبر أن عدم الوضوح الذي رافق بعث هذا الجهاز لا يقتصر على الجانب القانوني بل يشمل أيضا مهامه التي تداخلت مع مهام أخرى بالإضافة إلى كثرة تلك المهام ممّا أدى إلى تشتيت الجهد وعدم التوصل إلى تحقيق نتائج تذكر.
أما المواطنون الذين " استبشروا " مثلما قلنا بهذا المولود الجديد الذي سيريحهم ( مبدئيّا ) من معضلة التلوّث الكبرى فقد وقفوا على حقيقة مرّة وهي أن وجود هذا الجهاز لا يختلف كثيرا عن عدمه . فالتلوّث ما فتئ يزداد يوما بعد يوم ... والفضلات المنزلية ما انفكت تنتشر في كافة أنحاء البلاد ولعلّ ما زاد في تفاقمها تقاعس أعوان النظافة وموجة " الدلال " التي ضربت الكثير منهم فأصبحوا يعملون وكأنّهم " عاملين مزيّة " على خلق الله .
وباختصار شديد فقد حان الوقت لمراجعة هذا الجهاز ومعرفة نقائصه التي قد تكون قد حالت دون أن يقوم بما بعث من أجله . فإما الإبقاء عليه مع تحسين الأداء وتمكينه من كافة الوسائل اللازمة ومطالبته بالنتائج وإما حذفه نهائيا ليرتاح الجميع خاصة أن تكاليفه باهظة جدا دون فائدة تذكر وترى بالعين المجرّدة إلى درجة أن أحدهم أطلق على هذا الجهاز اسم " فرقة التحويس و استهلاك الوقود " .
جمال المالكي
( مصدر التصريحات : وكالة تونس إفريقيا للأنباء )
التعليقات
علِّق