الرافضون لمحاكمة بورقيبة : بعضهم زيّف التاريخ سابقا وبعضهم يكره إظهار الحقيقة وبعضهم يتاجر لا غير

الرافضون  لمحاكمة بورقيبة : بعضهم زيّف التاريخ سابقا وبعضهم يكره إظهار الحقيقة وبعضهم يتاجر لا غير


سال حبر كثير وأثير جدل أكثر حول " المحاكمة التاريخية " لقتلة الزعيم صالح بن يوسف ومن أهمّهم طبعا أول رئيس للجمهورية التونسية الزعيم أيضا الحبيب بورقيبة .
ولعلّ ما يلفت الانتباه في أغلب التعاليق التي عقبت بدء أولى جلسات المحاكمة أن أغلب المعلّقين الرافضين تحدّثوا بأسلوب " جاهلي " وعاطفي أكثر من اللزوم وفيهم بعض السياسيين والمؤرخين الذين كنّا نظنّ أنهم سيرحّبون بهذه المحاكمة لسبب وحيد على الأقل وهو معرفة الحقيقة وحق الشعب التونسي في معرفة الحقيقة التي لن تغيّر مجرى تاريخ تونس بل ستؤدّي حتما إلى طيّ هذه الصفحة نهائيا برضا كافة الأطراف بمن فيهم أفراد عائلة بن يوسف  تحقيقا لمصالحة وطنية تبنى على أسس صحيحة وليس على أسس  تواصل المغالطات وتزييف التاريخ .
مغالطات وأكاذيب ؟
في خضم الكلام الكثير ادّعى بعضهم أن سهام بن سدرين هي التي كانت وراء إثارة الدعوى وأنها كانت مصرّة على ذلك إصرارا عجيبا بدعوى أنها " تحقد على الزعيم  وتسعى بكل الطرق إلى تشويه سمعته وتاريخه " . وقد رأينا وسمعنا وسمعوا معنا نجل بن يوسف وهو يقول بكل وضوح إن العائلة هي التي سعت إلى هذه المحاكمة وأوضح أن غرض العائلة هو كشف الحقيقة واعتذار الدولة عن الجريمة على أن تكون المصالحة الحقيقية بعد الكشف والإعتذار . فهل يمكن بعد هذا الكلام العربي الفصيح أن يكون بعضهم " أكثر ملكيّة من الملك " وأن يصرّ على أن بن سدرين والنهضة وبعض المحامين بأعينهم كانوا وراء المحاكمة ؟.
ولعلّ من المغالطات الأخرى أن يصرّ بعض " المدافعين " عن بورقيبة على أن الغرض من المحاكمة هو " تشويه سمعة الزعيم وتاريخه " . فهل كان بورقيبة نقيّ التاريخ ناصع السمعة فلم يرتكب أخطاء يرقى بعضها إلى مرتبة الجرائم شأنه في ذلك شأن أغلب السياسيين في هذا العالم ؟. هل كان بورقيبة رسولا منزّها ومعصوما من الأخطاء فلم يتخلّص من خصوم سياسيين بطرق غامضة بعضها معروف وبعضها الآخر ما زال إلى اليوم مجهولا ؟.
إن بورقيبة كان شخصا وبشرا له محاسنه التي نعرفها جميعا وله أيضا أخطاؤه التي يعرفها البعض ويحب أن يعرفها من لم يعش فترته ومن عاشوا زمن الكذب وزمن التاريخ المزيّف الذي ضلع فيه المقرّبون من بورقيبة والمتزلّفون والمنافقون وأصحاب المصالح بمختلف أنواعها . ولعلّ من الإنصاف ألّا يجحد أحد من " أنصار الزعيم " الحقيقيين منهم ( وهم قلّة قليلة ) والمزيفين وما أكثرهم أو ينكروا أن تاريخ الحركة الوطنية على وجه الخصوص قد تم التلاعب به مثلما أراد المزيّفون الذين غيّبوا أغلب مناضلي الحركة الوطنية عنوة وجعلوا من بورقيبة الزعيم الأوحد والبطل الواحد والمحامي الأول والمهندس الأول والعالم الأول والفلاح الأول والرياضي الأول بالرغم من أنه لم يمارس أي نوع من الرياضة في حياته . ولعلّه من الإنصاف أيضا أن يعمل هؤلاء " الرافضون " ومنهم المؤرخون بالخصوص على تصحيح تاريخ تونس ما دام بعض الشهود أحياء وليس الإمعان في المكابرة والكذب والإصرار على أن يظل تاريخ تونس مزيّفا أبد الدهر .
النظر بعين واحدة
يصرّ الرافضون وفي تبرير ساذج وسخيف على أن هذه المحاكمة " باطلة " وعلى أن بورقيبة كان له الحق عندما أمر بتصفية صالح بن يوسف باعتبار أن هذا الأخير كان ينوي اغتيال بورقيبة . وتكمن الغاربة هنا في أنه لا يمكن تبرير الخطأ بخطإ أشنع وأفظع منه . ولو سلّمنا جدلا بأن ما يقولون صحيح أليس جديرا بهم أن يطالبوا بمحاكمة صالح بن يوسف وأن يقدّموا براهينهم تحقيقا للعدالة بوجهيها اللذين نريد ؟. أما أن ننظر إلى الأمور بعين واحدة وأن نبرّر ما لا يبرّر فهذا ليس له من معنى سوى تأصّل  " نظريّة " التأليه لبورقيبة  واعتباره فوق الشبهات وفوق الاتهام وفوق المساءلة والحال أنه بشر مثلنا جميعا يخطئ ويصيب ويحسن ويسيء .
يتاجرون ببورقيبة وهم لا يعرفونه أصلا
من الواضح جدا أن بورقيبة كان وما زال وسيظلّ  بالنسبة إلى البعض من محترفي السياسة  بالصدفة " أصلا تجاريّا " ينهلون منه كلّما  جفّت منابع عقولهم وهي في الحقيقة جافة وقاحلة بطبيعتها . ولئن كان البعض من هؤلاء يعرف على الأقل البعض من تاريخ بورقيبة ويسعى إلى توظيفه نظرا إلى ضيق كبير كامن في مدارك عقله المتوقف عن الانتاج الفكري للمستقبل فإن البعض الآخر وبكل انتهازية نصّب نفيه " شاه بندر " المتاجرين بتاريخ بورقيبة ومنهم على سبيل المثال عبي موسي التي  أجزم بأنها لا تكاد تعرف شيئا عن بورقيبة سوى ما قيل لها من خلال كتب التاريخ المزيّفة . ولأنها خاوية الفكر السياسي ولا برامج لها أصلا فقد أصرّت على أنها " وريثة " تاريخ بورقيبة وكأن هذا التاريخ يرقى إلى درجة  " المشرّف جدّا " ولا يخلو من الشوائب والأدران ... وهي إلى ذلك تلعب على أوتار كافة أولئك الذين  يهمّهم جدا أن يظل تاريخ بورقيبة كما هو وأن يظل بورقيبة " الزعيم الأوحد " في عيون التونسيين البسطاء الذين زرع فيهم  المرحوم محمد الصياح وزمرته أنه " إله " عبدوه عندما كان حيّا ... ويعبدونه وهو إلى جوار ربّه ...وهم أوّل من يدرك أنه بشر مثلهم  قام بدور معيّن في تاريخ تونس وأنه جزء من تاريخ البلاد لا يمكن لي ولأي إنسان أن يمحوه من هذا التاريخ الطويل الذي يحتفظ بالأبطال كما بالأنذال في ذاكرته ... وحتى لا يفهم هؤلاء كلامي خطأ فلست أصف بورقيبة بالنذل بل إن كلامي عام ... ويهم الكثير ممّن يشملهم تاريخ البلاد .
خلاصة القول ؟
بعيدا عن منطق التشفّي أو التشويه مثلما يدّعون يجب أن تستمرّ هذه المحاكمة من أجل هدف واحد وهو معرفة الحقيقة وطيّ الصفحة إلى الأبد . فلا هي فتنة ولا تقسيم للتونسيين ولا نبش في الماضي الذي من حقّنا جميعا أن ننبش وأن نصححه . وفي المقابل إذا أراد البعض أن يفتح ملف محاولة اغتيال بورقيبة من قبل صالح بن يوسف فليكن طالما أن ذلك يؤدي في النهاية إلى تحقيق العدالة التي نقول ونؤكّد ونعيد القول والتأكيد إنها ليست عدالة بن سدرين أو غيرها لأننا نؤمن ونعتقد أن البلاد شهدت ثورة وأنه حان الوقت للقطع مع أساليب " حزب الدستور " وحزب " التجمّع " البالية  التي  لطالما زيّفت وأجرمت في حق البلاد والعباد والتاريخ .
جمال المالكي

التعليقات

علِّق