الحكومة الايطالية الجديدة تخرق المعاهدات الدولية وتسعى لعسكرة المتوسّط
بقلم: د.ريم بالخذيري (رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط)
لاشكّ أن ايطاليا بحكم موقعها الجغرافي البحري تعدّ الوجهة المفضّلة للمهاجرين الغير شرعيين الذين يقصدونها من كل حدب و صوب حتى أصبحوا يمثلون عبئا على المجتمع الايطالي الذي لم يعد يرغب في اتخاذ بلاده جسرا لأوروبا مع ما يصاحب ذلك من مشاكل و تهديدا لأمنهم. ولطالما استغلّت المعارضة الراديكالية هذا الملف و هاجمت به الحكومات التي لم تحسن التعامل مع جحافل المهاجرين هؤلاء و أبدت مرونة كبيرة تجاههم وفق تصريحات اليمين المتطرّف .وقد وجد هؤلاء آذانا صاغية من ملايين الايطاليين الذين صوّتوا بكثافة لهؤلاء وهو ما أوصل اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني لرئاسة الحكومة وهي التي وعدت ناخبيها وعموم الايطاليين بفرض حصار بحري على مسارات الهجرة عبر المتوسط. وهي تسعى للأقناع الشركاء الأوروبيين بسياستها ومواقفها المتشددة.
وقد أكدت ميلوني ذلك في أكثر من مناسبة و ردّدت "نقترح فرض حصار بحري لأنه، كما ذكرنا ألف مرة، هناك مهمة أوروبية مشتركة مع دول شمال إفريقيا للعمل معا على وقف الإتجار بالبشر وإنشاء نقاط ساخنة تتم إدارتها من الجانبين على الأراضي الإفريقية. حيث هناك، يتعين على الاتحاد الأوروبي فحص طلبات اللجوء وتحديد من يحتاج إلى الحماية الدولية ومن لا يحتاجها".
هذا التوجّه يحيل على طلب ايطالي قديم متجدّد قدّم لتونس أكثر من مرّة وتم رفضه وهو انشاء منصة للمهاجرين الغير شرعيين على الاراضي التونسية .ويبدو أن رئيسة الحكومة الايطالية ماضية قدما في اقناع الاوروبيين بالضغط الثنائي على تونس لقبول هاته المهمة ربمّا باستعمال أليات جديدة وحزمة اقتصادية و منحا .قد تساعد البلاد في الخروج من ازمتها الخانقة. هذا الرأي لا يلقى اجماعا داخل ايطاليا اذ يعتبر العديدون أن بلادهم تستفيد من المهاجرين ولايمكن الاستغناء عنهم . اذ يعتقد إريك ماركوارت خبير الهجرة في حزب الخضر والعضو في البرلمان الأوروبي، أن الحكومة الجديدة في إيطاليا سيتعيّن عليها أن تتعامل بسرعة مع واقع الهجرة. ويضيف إن تجريم عمليات الإنقاذ البحري وإغلاق الموانئ لن يفيد جيورجيا ميلوني كثيراً، و ستدرك بسرعة أن 90 في المائة من الأشخاص الذين يصلون إلى إيطاليا يصلون ببساطة دون أي مساعدة من سفن الإنقاذ البحرية. وهذا يعني أن الإنقاذ البحري ليس هو الوسيلة الأساسية لأي شخص للوصول إلى إيطاليا، ولكن كلما ازداد عدد المغادرين من السواحل الليبية فسيصل المزيد من الأشخاص إلى إيطاليا".
لكن ميلوني مصرّة على الوفاء بعهودها لناخبيها و انتقلت للسرعة القصوى في ترجمة توجهاتها المعادية للمهاجرين الغير شرعيين و ان كان ذلك مناقضا للمعاهدات الدولية التي امضتها بلادها فيما يخض الاغاثة البحرية . و اليوم وبعد مرور أقل من اسبوعين على تسلم الحكومة لمهامها تم رفض رسو أربع سفن محملة بحوالي ألف مهاجر غير شرعي . ولم تسمح سوى بنزول القصّر والمرضى وسيتمّ ابعاد السّفن و من عليها من المياه الاقليمية الايطالية.وهو ما اكده وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بينتيدوسي عندما سأل عن السفينة (هيومانيتي 1) التي ترفع علم ألمانيا وعلى متنها 179 شخصا . وترفض منظمة (هيومانيتي) الألمانية غير الحكومية قرار الحكومة الايطالية معتبرة ذلك انتهاكا للقانون الدولي وقالت أنّ "الأمر بمغادرة ميناء كاتانيا مع بقاء الأشخاص الذين تم إنقاذهم على متن السفينة سيشكل انتكاسة قانونية".
كما رفضت وزارة الداخلية الإيطالية طلبا لسفينة (جيو بارنتس) تقلّ 572 مهاجرا انزال من عليها رغم تفشّي مرض الجرب بينهم و معاناتهم من المرض. تعهّد الحكومة الإيطالية الجديدة اليمينية المتشددة بتنفيذ حملة أمنية ضد قوارب المهاجرين التي تنطلق من شمال أفريقيا باتجاه أوروبا لن يجد تجاوبا من دول جنوب المتوسط التي تنطلق منها هذه الرحلات كما أن هذا الموقف لن يكون بالسهل اقناع الاوربيين به و الذين يحترمون المعاهدات الدولية وقوانين البحار و الانقاذ. وتعوّل ميلوني في أول بيان حكومي لها، على احياء عملية"صوفيا" وهي عملية مراقبة للبحر الأبيض المتوسط من قبل الوحدات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي. وأعلنت أنها ستناقش هذا الأمر على مستوى الاتحاد الأوروبي.
هذا وقد تمّ في عام 2019، إنهاء "مهمة صوفيا" بدفع من إيطاليا، لأن دول الاتحاد الأوروبي رفضت الالتزام باستقبال الأشخاص الذين يتم إنقاذهم من خلال "مهمة صوفيا" وتوزيعهم على جميع دول الاتحاد الأوروبي.
و حتى الآن، وصل إلى إيطاليا نحو 65 ألف مهاجر عبر البحر هذا العام، وجلّهم يحاولون متابعة طريقهم نحو شمال أوروبا. وفق ما يعرف بظاهرة "متابعة الهجرة" على طرق الهجرة الأخرى أيضا عبر اليونان أو البلقان، وهذا هو التفسير الوحيد لحقيقة أن معظم طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي لا يتم تقديمها في الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط مثل إيطاليا أو اليونان، وإنما في ألمانيا. الشيء الثابت أن ّ الأشهر القادمة ستكون ساخنة في حوض المتوسّط و ستكون حكومة ميلوني لاعبا أساسيا فيه وفق شروطها ورؤيتها وان بصفة منفردة و هو ما سيفاقم مأساة المهاجرين الغير شرعيين و يعمّق معاناة دول العبور مثل تونس.
التعليقات
علِّق