التعيينات الجديدة للمعتمدين : خرق واضح للقانون وإرضاء للأحزاب حتّى بالضحك على الذقون

التعيينات الجديدة للمعتمدين :  خرق واضح  للقانون وإرضاء للأحزاب حتّى بالضحك على الذقون

 

تابعت مثل غيري من خلق الله أغلب الملفات التي تناولت الحركة الجديدة من المعتمدين وكل ما أثارته من ضجّة سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو على وسائل الإعلام المختلفة . وحاولت مثلما حاول غيري أن أفهم " فلسفة " أو " البعد الفلسفي " لهذه التعيينات فخرجت بيد فارغة وأخرى فيها الهواء ما عدا بعض القناعات التي ترسّخت أكثر فأكثر ومختصرها أن الأطراف الفاعلة في البلاد لا تنظر إلى السلطة إلا من باب الغنيمة التي يجب أن تقسم بينها ... أما إذا مات البقيّة ظمأى  فلا نزل القطر.
وعلى سبيل المثال فقد جاء أمس رياض المؤخّر وزير البيئة والشؤون المحليّة والنائب عن حركة النهضة الصحبي عتيق في " بلاتو" الحوار التونسي وحاولا إقناع الحاضرين ومن ورائهم نحن المشاهدين بأن ما فعلته الحكومة هو عين الصواب طالما أنه " سيضمن حياد الإدارة " في واحدة من أهم المحطات الانتخابية على الإطلاق وهي الانتخابات البلدية التي نعلم جميعا أنها أساس الديمقراطية وأن من يفوز بها  كمن فاز بأكبر جزء من السلطة .
وفي المقابل ورغم استماتتهما في الدفاع عن موقفيهما لم يستطع لا النائب حسونة الناصفي ( المشروع ) ولا النائب زهير المغزاوي ( حركة الشعب ) أن يدافعا عمّا يجول في خاطر المواطن ... ولم يستطيعا إقامة الحجة والدليل على أن ما قامت به الحكومة ليس سوى تماديا في منطق الغنيمة بالإضافة إلى أنه خرق واضح للقانون .
ومن خلال العين المجرّدة نلاحظ أن الحزبين الأكبر المكوّنين للإئتلاف الحاكم فازا بنصيب الأسد من تلك التعيينات . وفي هذا الإطار ورغم  أنه نفى أن يكون ما حصل من منطق الغنيمة لم يستطع الصحبي عتيق كبح جماح شعوره الباطني عندما قال بالحرف الواحد :"...كان نصيبنا من هذه التعيينات كذا .. وكذا ..." . ولا يخفى طبعا ما تعنيه كلمة " نصيبنا " لكل من له ذرّة فهم في علم النفس . ومن جهته حاول رياض المؤخر أن يقنعنا بأن الحكومة ستطلب من كافة المعتمدين المعيّنين الإستقالة من أحزابهم بمجرّد أن يصبح التعيين نافذا . ومعنى كلام الوزير أنه أصبح بالإمكان لأي شخص أن يعود إلى بطن أمه بمجرّد أن يطلب منه ذلك أو حتى من تلقاء نفسه إذا لم تعجبه هذه الحياة . وهنا أريد أن أسأل السيد الوزير : هل بهذه السهولة يمكن أن تقنعنا بأن أي شخص انتمى إلى حزب من الأحزاب مهما كان يمكنه أن ينضو جبّة الحزب بمجرّد أن يقع تعيينه معتمدا ؟ . وهل تضمن أنت شخصيّا أن لا  يعود ذلك الشخص إلى " عاداته القديمة " بعد 24 ساعة فقط من ذلك التعيين ؟. وهل أن المعتمدين المعيّنين وبعد أن تطلب منهم أن ينسلخوا عن أحزابهم سيجاهرون بانتمائهم الحزبي إذا لم يكن ذلك من باب الضحك على الذقون ؟.
ومن جانب آخر  من حقنا أن نتساءل : لو كانت الدولة تريد فعلا أن تكون الإدارة محايدة خاصة في الموعد الانتخابي القادم  لماذا لا تقصّ النزاع أصلا فتعيّن معتمدين مستقلّين تماما عن أي انتماء حزبي وكفى الله المؤمنين شرّ القتال؟. ثم لماذا تحرص الأحزاب الكبرى بالخصوص على " نيل نصيبها " منذ البداية من تعيين المعتمدين الذين سيترأسون النيابات الخصوصية إذا لم يكن لغاية في نفس الأحزاب ؟. والغاية التي في نفس الأحزاب أليست ضمان أوفر قدر ممكن من الأصوات بتأثير مباشر وغير مباشر من هؤلاء المعتمدين  المتحزّبين غصبا عنهم وعن كل من يدّعي أنه بالإمكان تجريدهم من الإنتماء ؟. لقد حاول ممثّلو الحكومة وممثلو الأحزاب الكبرى أن يقنعونا بأن هؤلاء المعتمدين ورؤساء النيابات الخصوصية في نفس الوقت لن نجدهم يوم الانتخابات " شادّين الصفّ " أمام مكاتب الإقتراع ليوجّهوا الناس إلى أيّ حزب سيصوّتون . لكن هذا يدخل أيضا في باب الإستبلاه والاستنقاص من قيمة الوعي والفهم لدى التونسيين . فالمسألة ليست بهذه البساطة . والتأثير على الناخبين لن يكون بالوقوف على الربوة ومناداة الناس بالقول : " يا أيها الناس إسمعوا وعوا ... واعلموا أن الحزب الفلاني أحسن ما تنتخبون ...". المسألة أعمق من هذا بكثير. فيكفي أن يكون المعتمد متحكّما في مصائر الناس في المنطقة الإدارية والبلدية التي تعود إليه بالنظر حتّى يضغط بما لديه من سلطة فيوجّه بصفة غير مباشرة  أغلبية الناخبين ... بالإضافة طبعا إلى  الأساليب القديمة الأخرى التي لا تحتاج إلى  " مساومات " أو ضغوطات بل تحتاج فقط إلى " إكرام " الناخبين بقضاء حوائجهم حتى تلك التي قد تكون في غير محلّها ... وهذا في حد ذاته نوع من الدفع نحو انتخاب من يريد المعتمد وحزبه ولا عزاء للمغفّلين في ما عدا ذلك .
ولو سلّمنا الآن بأن نيّة الحكومة والأحزاب سليمة وصافية وأكثر صفاء من ذلك الحليب الذي سكبه الفلاحون في الأودية شماتة في أنفسهم وفي الحكومة أليس من حقّنا أن نسأل أيضا : بأي حقّ تخرق الحكومة ( والحكومات السابقة أيضا ) القانون الذي جاء صريحا في هذا الباب ويفيد بأنه يمنع منعا قاطعا أن يتولّى الإداريون ( وهم بالأساس الولاة والمعتمدون ) المتحزّبون أي منصب إداري تفاديا لأي إشكال انتخابي وضمانا لحياد الإدارة ؟. فهل جعل القانون لنحترمه جميعا ونطبّقه وفي مقدمتنا الدولة أم لنجعله صورة نلهو بها متى شئنا ونفعل بها ما شئنا ؟. ثم إذا كانت الدولة وهي الراعي المفترض للقانون تخرق القانون فهل يمكن أن نلوم المواطن إذا خرق القانون؟.
بقيت ملاحظة مهمّة قبل أن تقع الفأس في الرأس وهي : هل ستبقى الأطراف الخارجة عن دائرة الحكم تتفرّج على هذه المسرحيّة أم ستتحرّك فتحمل الأمر إلى هيئة مراقبة دستورية القوانين من أجل دفع الحكومة على التراجع في هذه التعيينات ؟.
وقبل أن أختم أريد أن أسأل السيد الصحبي عتيق الذي قال لنا ما معناه : لا تخافوا ... فهناك هيئة مستقلّة للانتخابات وقد أنجحت ثلاث محطات انتخابية ... فلم الخوف إذن ؟... فأقول له : هل رأيت يوما ميّتا عاد إلى  الحياة بعد دفنه ؟. طبعا لا ... لذلك فماذا عسى أن تفعل هذه الهيئة المستقلّة  بعد أن تأخذ كل يد أختها ؟.
جمال المالكي

التعليقات

علِّق