الإجهاض في تونس : مكسب هام و حق يمارس لكن ...

الإجهاض في تونس : مكسب هام و حق يمارس لكن ...

 

اختارت تونس منذ استقلالها سياسة الصحة للجميع. ففي مقدمة دستور سنة 1959 ذكر هذا الحق الشرعي للصحة بالصيغة التالية: " يشكل النظام الجمهوري الوسيلة الأكثر نجاعة لتأمين حماية العائلة وحق المواطنين في العمل والصحة والتكوين …". و هذا ما مكن من وضع سياسات صحة وطنية تهدف أساسا إلى تحسين صحة الأم والطفل و جعل بلادنا تتلقى العديد من الجوائز الدولية لجودة و ابتكار برنامجها للصحة الجنسية و الإنجابية. سنة 1973 تم الإعتراف بحق الإجهاض للنساء و أصبحت خدمة الإجهاض جزء لا يتجزأ من برنامج التنظيم العائلي الذي إنتهجته الدولة و هي بالتالي خدمات مجانية في المؤسسات العمومية التونسية .

فإلي أي مدى يتم تطبيق هذا القانون في تونس بعد مرور أكثر من 50 سنة على سنه و هل حان الوقت للحديث عن التعديل  ؟

تعد تونس  من أولى الدول العربية التي أعطت حقوقا عديدة للمرأة و حصنت مكانتها بعلوية القانون و لعل اعترافها بحق الإجهاض للنساء  بمقتضى القانون عدد 53 لسنة 1973 المؤرخ في 19 نوفمبر من نفس السنة جعلها ريادية بإقدامها على هذه الخطوة .

فحق الإجهاض ببلادنا هو حق يشمل النساء المتزوجات والعازبات والفتيات و أيضا القصر شرط توفر ترخيص من الولي الشرعي. وقد شُرِّع هذا القانون بهدف إنهاء طرق الإجهاض غير الآمنة ولإنقاذ حياة الكثير من النساء اللواتي يخاطرن بحياتهن عند اللجوء إلى الإجهاض السري في ظروف مسترابة أحيانا  . في المقابل يمنع القانون التونسي من ممارسة هذا الحق لفترات الحمل  التي تتجاوز 3 أشهر  .

راضية الجربي: أمريكيات يتطلعن لنيل هذا الحق

موقع الحصري إتصل برئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي للحديث حول هذا الملف الهام  حيث قالت الجربي : الإجهاض في تونس حق مقنن بشروط مضبوطة مستقاة من ما هو علمي و ديني فقد إتفق رجال القانون و الدين معا على امكانية إجهاض المرأة في حال لم تتجاوز 3 أشهر على حملها و ذلك في مؤسسات عمومية و خاصة و من تجاوز هذا الشرط فيعرض نفسه لعقوبات قانونية " جريمة قتل".

و تابعت قائلة : " في فترة ما عشنا ردة في تونس تمثلت في عودة الجدل بخصوص مواضيع مثل الزواج العرفي و تعدد الزوجات و هذا ما يعكس حنين البعض للتراجع على الحقوق الحامية للنساء و الأسرة .هي فترة معينة تجاوزناها سيطرت فيها أطراف ذات  بعد ديني متشدد أما اليوم فحق الإجهاض هو حق يمارس في تونس صحيح أنه يوجد  ضغط نفسي أحيانا من طرف بعض العاملين بقطاع الصحة العمومية على عدد من النساء و محاولة إستضعافهن و التأثير على قراراتهن لكن حق المرأة في الإجهاض ثابت و هي من تقرر رفقة زوجها أن تستقبل مولودها من عدمه حسب ظروفهم المعيشية ووضعهم النفسي و مدى جاهزيتهم لإستقبال فرد جديد في العائلة.

هذه القاعدة القانونية شاملة و عامة دون الدخول في الحالات الخاصة التي ينظمها القانون و ضمير الطرفين .في تونس حق الإجهاض مكسب و لليوم تطالب النساء في مقاطعات  بالولايات المتحدة الأمريكية الحصول على هذا الحق.

شهادات حية

لمياء ذات 42 عاما أم لطفلين صرحت لنا أنها لم ترغب هي و زوجها في إنجاب طفل ثالث نظرا للظروف المعيشية الصعبة في بلادنا . حيث توجهت قبل بلوغ شهرها الثالث في الحمل للقيام بعملية إجهاض مؤكدة أنها كانت تجهل وجود مجانية خدمة الإجهاض في مستشفياتنا العمومية.

أما إبتسام 35 سنة و هي حاملة لإعاقة  فتقول  أنها لم تفكر بعد في إنجاب طفل نظرا لظرفها الصحي الحساس لهذا قررت الإجهاض و إستشارة  طبيبها الخاص الذي أكد لها إمكانية إجراء العملية .و تقول ابتسام :" لم أكن جاهزة نفسيا و جسديا لتحمل مشقة العناية بطفل في هذه الحالة أنا جدا ممتنة للقانون التونسي و لهذا الحق ."

نأتي إلى  سمية وهي  شابة في عقدها الثاني تتحدث لنا عن تجربتها مع الإجهاض حيث تقول:" أنا فتاة من منطقة ريفية قمت بعلاقة مع صديق و حملت بطفل خارج إطار الزواج وقد قصدت أحد مراكز الصحة العمومية للقيام بإستفسار فقط عن كيفية القيام بعملية إجهاض لكن صدمت بكمية الأسئلة المطروحة هذا ما جعلني أتحرج و أتوجه لعيادة طبية خاصة للقيام بالإجهاض."

هذه الشهادات و غيرها تثمن حق الإجهاض ببلادنا لكن في المقابل  توضح وجود نقائص مثل  ضرورة العمل أكثر على توعية النساء و الأجيال الجديدة بأهمية هذا الحق و دور الدولة في دعم تطبيقه على أرض الواقع في أفضل الظروف الممكنة.

و تجدر الإشارة  أن دراسة أجرتها مجموعة توحيدة بن الشيخ في الفترة من 2022 إلى 2023 على عينة تضم 5837 شابًا وشابة ورجلا وامرأة، تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما في 8 ولايات من 4 مناطق في تونس، أظهرت وجود جهل بالقانون الحالي المتعلق بالإجهاض، حيث سجلت الدراسة نسبة 26.6 بالمائة من الرجال و45 بالمائة من النساء فقط كانوا يعرفون القانون في حين أن نسبة كبيرة كانت دون رأي أو دون إجابة.

مرت أكثر من 50سنة على سن القانون ولا يزال تونسيون يعيشون ضبابية في هذا الموضوع أمر يطرح العديد من التساؤلات...

 مطالب جديدة و تخوفات من العودة للوراء

موقع الحصري إتصل أيضا بعدد من المنظمات الحقوقية التي أجمعت على أن حق الإجهاض  مكسب هام في بلادنا وجب التصدي لكل اشكال الرجوع به للوراء . حيث قالت  الناشطة الحقوقية و النسوية في جمعية تقاطع من أجل الحقوق و الحريات جنين التليلي :" حق المرأة التونسية في الإجهاض ضمنه قانون سن سنة 1965 وخول فقط للمرأة المتزوجة التي لديها أكثر من 5 أطفال و بموافقة زوجها التمتع بحق الإجهاض في ما بعد تم تنقيح القانون سنة 1973 ليصبح مخولا لجميع النساء التمتع بهذا الحق إلا القصر فيشترط ترخيص الولي.

بعد مرور سنوات على صدور هذا القانون و تنقيحه لاحظنا وجود عدد من المشاكل و النقائص في هذا الإطار لعل من بينها نقص الأدوية خاصة في فترة كوفيد و الذي تواصل رغم إنتهاء الجائحة حيث إشتكى عدد من النساء من وجود هذا النقص."

و تابعت الناشطة الحقوقية كلامها قائلة: "إشكال ٱخر يعترض هذا الحق هو رفض بعض العاملين في قطاع الصحة تقديم أدوية الإجهاض للنساء و محاولة التأثير على الراغبات في الإجهاض للعدول على قراراتهن"  .

وواصلت قائلة:" يجب أن نؤكد أن القانون يحمي المعطيات الشخصية للنساء الراغبات في القيام بعمليات إجهاض كي لا  تكشف هوياتهن لكننا لمسنا في عدد من الجهات الداخلية عكس ذلك ووصل الأمر الى تداول معطيات شخصية للعموم إضافة إلى التشهير و الوصم ".

و تابعت التليلي قائلة:" هناك إشكال ٱخر يجب التطرق له و هو غياب الأطباء في بعض المناطق و الذي يتسبب في تأجيل المواعيد لعمليات الإجهاض و هذا يضع بعض الراغبات في القيام بعمليات إجهاض في المراكز العمومية في مأزق حيث يمكن أن يسبب انتظار الموعد سقوط حق الإجهاض الذي تتمتع به المرأة و تجاوز الٱجال القانونية.

و ختمت ممثلة جمعية تقاطع من أجل الحقوق و الحريات قائلة:" في الٱونة الأخيرة لاحظنا تراجعا ملحوظا في مجال الحقوق و الحريات في تونس مع السلطة الحالية و نحن كناشطات في المجتمع المدني النسويات لدينا تخوف كبير من التراجع عن هذا القانون خاصة أنه تم سنة 2013  إقتراح تجريم الإجهاض في تونس من طرف نائبة شعب بالبرلمان.

و في هذا السياق الراهن لدينا تخوف كبير من إعادة طرح تجريم الإجهاض في تونس و أن يتم التراجع عن هذا المكسب الذي جاء بعد مجهودات كبيرة .

و عليه نحن ندعو كل الجمعيات النسوية و الحقوقية ووزارة التربية أن تذهب في نهج التوعية بهذا الحق و تكوين الطواقم الطبية في كيفية التعامل مع النساء الراغبات في الإجهاض و الإحاطة بهن.

 تعديل القانون و  إقرار مادة التربية الجنسية ضرورة

تتحدث عدد من المنظمات الحقوقية و النسوية في تونس منذ فترة عن تراخي اليقظة في ما يتعلق بإنتهاكات حقوق التصرف في الجسد لعل من أبرزها الحق في الإجهاض .في المقابل يؤكد الديوان الوطني للأسرة و العمران البشري في بلاغاته توفر هذه الخدمة في بلادنا معتبرين صعوبة النفاذ إلى خدمات الإجهاض مجرد حالات معزولة في فترة ما بعد الثورة مؤكدين توفر الأدوية و الخدمات الضرورية بصفة دورية.و في تصريح إعلامي خلال شهر جانفي من سنة 2024 أكد الأخصائي النفساني و المدير بالديوان الوطني للأسرة و العمران البشري محسن حسان ارتفاع حالات الإجهاض في تونس بالمؤسسات الإستشفائية بالقطاع العام لتبلغ حوالي 20 ألف عملية إجهاض سنة 2023 مرجعا أسباب ارتفاعها الى تأخر سن الزواج عند الشباب و العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج و نزوع الشباب للهجرة و غيرها .

تقر الدولة من خلال الأرقام الرسمية بإرتفاع عدد حالات الإجهاض في تونس بالمستشفيات العمومية دون اعتبار طبعا عدد الحالات في العيادات الخاصة و يوصي المختصون في علم الإجتماع بضرورة مزيد دراسة هذه الأرقام تبعاً للخصوصية السكانية و الحياة الإنجابية و الجنسية و تطوراتها في المجتمع التونسي معتبرين ذلك من المسائل الحيوية المتعلقة بالأمن الصحي عامة. إضافة إلى ضرورة تكثيف حملات التوعية لدى المراهقين و الشباب في هذا الجانب بإعتماد وسائل التواصل الاجتماعي. كما تدعو منظمات حقوقية الى تنقيح قانون 1973 و تطويره و  إقرار مادة  التربية الجنسية في التعليم التونسي حفاظا على تجربة بلادنا الرائدة في مجال التنظيم العائلي و الصحة الإنجابية التي إمتدت لعقود و سعيا إلى مزيد تعصيرها   .

إيناس المي

التعليقات

علِّق