الإبداع في الشعر

لا يختلف اثنان في أنّ الشعر ديوان العرب ومرجع تجاربهم وسجلّ تراثهم ، فمن خلاله عبّر العربي عن أعراضه وميولاته وأحاسيسه، وبرزت اتجاهاته في الحياة.
ويبقى الشعر إلى الآن صوت الفكر ونغمه ممزوجا بإحساس الشاعر، كما تبقى الموسيقى مع ذلك بمفهومها الشامل وبمختلف مصادرها من المميزات النوعيّة الأساسية للشعر، وهنا يكون الشعر انسجاما بين الإحساس والفكر وتفاعلا بينهما يفرز الجيّد من النتاج الشّعري كلما كان هذا التفاعل ساخنا وحارّا.
ومن هنا فإنّ الشاعر الناجح في نظر المقيّمين للأعمال الشعريّة هو الّذي أتمّ الشرط المذكور الذي عبّرنا عنه بالتفاعل الساخن بين الإحساس والفكر وذلك دون تعقيد في اللّفظ.
والمعلوم أنّ لكلّ عصر مبدعيه لكنني أستدرك أمرا م لإبداء رأي أربأ به خدمة الأدب ولو بسطر أو كلمة لا سيما أحد أغراضه وهو الشعر الذي قلت عنه إنه نغم الفكر لأقول متى كان التعقيد في الشعر إبداعا فنيّا.
لقد ساورني شكّ في البداية وصار عندي الآن يقينا أنّنا نقف اليوم أمام التعقيد في الشعر "بحكم خالف تعرف '' ويُخيّل إليّ أننا اليوم نطالع أشعارا لشعراء لا يخلو الحال فيهم من أمرين لا رأي لكليهما منطقا :
ف؟إمّا أننا لسنا قادرين على فكّ رموز هؤلاء في الشعر الموغلة في الخيال والمستغرقة في التجريد. وإمّا هؤلاء من الّذين سبقوا عصرهم وعليه فإنّ علينا ؟أن ننتظرهم في العصر المقبل ذلك أنّهم يخاطبوننا بلغة يبدو أنّا من ضيق العبارة.
إنني أستسمح القول متى علم الناس أن التعقيد سنّة في الشعر تُتّبع ؟
إن البساطة مطلوبة في كلّ شيء لا سيما في الشعر، لأنّه إذا أراد الشاعر بشعره الانتهاء بالمعنى إلى قلب السامع كان بليغا. وإذا أراد إظهار المعنى وإجلاءه كان فصيحا نحو قول بعضهم وهو ضرب من الفصاحة:
وقبر حرب في مكان قفر *** وليس قرب قبر حرب قبر
وأمّا إذا ابتغى الشاعر بشعره إظهار الجدّة والبراعة كان بديعا ولكن تضمين الأبيات للمحسنات اللفظية والمعنوية لتكون من البديع لا يعني أن تأتي بالتعقيد.
ثم إنّ البساطة التي نريدها في الشعر تلك التي لا ينبغي أن ينتفي فيها الإبداع التصويري والخيال الساحر الذي يعجب السامع يقتدر فيه الشاعر على إيصال المعنى المراد إلى قلب السامع في بساطة الأسلوب وروعة التصوير حتّى نقف مع الشاعر حين يقف ونبكي حين يبكي وذلك يصدّق قول الشاعر :
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه *** فليس خليقا أن يقال له شعر .....
فمن المكمل والمفيد أن نبدأ بالاطلاع على وعي بشعرائنا الشبّان بالمسألة الفنية في أشعارهم لأن الشعر سلم صعب صعوده وصعوبته تأتي من كونه سهلا ممتنعا تتنزل فيه قدم من أراد به التعقيد إلى الحضيض.
إنني أكاد أكذّب قول نزار شاعرنا المعروف :
شعراء هذا اليوم جنس ثالث *** فالقول فوضـى والكلام ضباب
يتهكّمون على النبيــــذ معتّق *** وهــم على سطح النبيذ ذبـاب
*عادل الشارني
التعليقات
علِّق