اخترنا الوطن وحسم الامر

بقلم نوفل بن عيسى
بعد ثماني عشر سنة ستترك المستشارة الألمانية حكم البلاد وهي في احلى حالاتها واما شرفها فلا غبار عليه إذ أنها لم تستثري ولم تولي المسؤوليات الا الأشخاص المناسبة لذلك وكانت مثالا للحكم الرشيد والنزيه والعادل والفاعل والشفاف وكانت فوق كل الشبهات. عملت بصدق في القول وإخلاص في العمل وبكل عفة دون تسلط ولا تجاوز لحرمة المؤسسات وسلطة القانون.
وهذه من الاسباب التي جعلت ألمانيا من اقوى دول العالم وأثراها. اما في تونس فقد قال الشاعر الفذ منور صمادح رحمه الله حول "الصدق في القول والإخلاص في العمل" وهو شعار من شعارات النظام البورقيبي: "شيئان في بلدي قد خيبا أملي الصدق في القول والإخلاص في العمل"،
وهو ما يختزل محنة تونس منذ فجر الاستقلال الى يوم الناس هذا اذ تبين حسب تقرير الاتحاد الاوروبي كما نشر ذلك رئيس لجنة مكافحة الفساد بمجلس نواب مجلس الشعب على صفحته الخاصة بالفايسبوك بان اكثر من "10.500 مليار دينار تم تهريبها خارج تونس من 2011 إلى 2019 عبر حسابات سرية وشركات وهمية الى جانب اختفاء اكثر من 80 ألف مليار قيمة القروض الممنوحة من تونس وهو ايضا ما اكدته لجنة الرقابة المالية في البرلمان.
كما تم تقديم قائمة تضم 376 شخصا من المتورطين في تهريب الأموال ونهب الثروات أغلبهم يحكمون تونس حاليا إلى جانب أكثر من 50 رجل أعمال من العائلات الحاكمة الموالية للأحزاب السياسية والممولة لها" وربما ما خفي كان اعظم. فمن المألوف في تونس كغيرها من "البلدان المنكوبة" ان تنهب أموالها من طرف أبنائها من الساسة وأصحاب النفوذ والمناصب ولهذا كتب عليها الفقر والتسول رغم ما تزخر به بلادنا من خيرات طبيعية ومنجمية وكذلك بشرية.
وخلافا لالمانيا وحاكمتها مركل، فإن من يحكم البلاد يبدأ بتسليط عائلته واصهاره وحاشيته وخدمه ويجعل منهم مواطنين فوق القانون وحتى القوانين فتطوع على مقاساتهم وحسب مصالحهم وعندها يبدأ الاستثراء والاستكراش بكل السبل وبقدرة قادر تراهم "يتطاولون في البنيان" وتبنى القصور والبيوت الفخمة وحتى الأضرحة والقبور وتظهر للعيان مظاهر الثراء الفاحش والتغول وكل هذا على حساب الشعب وبامواله وفي خرق صارخ لقوانين البلاد وأعرافها وبلا حسيب ولا رقيب.
ورغم أن انكشف المستور وافتضح امرهم فلا زال من يحن إلى عهود من استفردوا بالحكم وزجوا بالناس في السجون وقطعوا الرقاب واستحوذوا على الأرزاق وعاثوا وعائلاتهم واصهارهم ومناصريهم وخدمهم وحشمهم في الأرض فسادا! خمس وسبعون عام وألمانيا تعيد البناء والتشييد بعدما فتكت بها الحرب العالمية الثانية وقسمتها الحرب الباردة الى ان وحدت من جديد ليلتقي شقها الغربي الثري والمتقدم بشقها الشرقي الشقي والمثقل بكاهل سنوات الخساسة والحرمان ومن هذا الشق الشرقي اتت المرأة المعجزة لتحقق ما انتظرته أجيال وأجيال من بنات وابناء وطنها. خمس وستون عام وشعب تونس "الجمهورية المستقلة ذات السيادة الوطنية" ينتظر اليوم الذي طالما حدثوه عنه ووعدوه به. خمس وستون عام وحكام البلاد يستهزؤون بالعباد باسلوب "استنى يا دجاجة حتى يجي القمح من باجة".
خمس وستون عام والشعب في حالة انتظار الى ان صار شعاره "في الهم عندك ما تختار" وكأنما "الهم" قدرنا ولا خيار لنا غير السارق والناهب والمستكرش ليتولى امرنا وحكم بلدنا! لا والف لا. لن نرضى بالهم بدلا عن الهم إذ اخترنا الوطن وحسم الأمر.
التعليقات
علِّق