اتفاقية شراكة للانتقال الاقتصادي: هكذا يمكن أن نجعل تونس قادرة ( الجزء الأول )

اتفاقية شراكة للانتقال  الاقتصادي: هكذا يمكن أن نجعل تونس قادرة  ( الجزء الأول )

بقلم : غازي بن أحمد
رئيس المبادرة المتوسطية للتنمية


لطالما مثّلت اتفاقية التجارة الحرة الشاملة والمعمّقة  (ALECA )   مصدرا للكثير من سوء الفهم  خلال  المفاوضات الجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي من أجل تعميق العلاقات.
ويهدف تعميق العلاقات إلى الحصول على الحريات الأربع (السلع والخدمات ورأس المال والأشخاص ) بشكل يتلخّص في " كلّ شيء ما عدا المؤسسات " نظرا إلى أن تونس ليس لديها  توجّه  للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق  من الواضح أن ما يعبّر عنه اختصارا " أليكا " لا يعكس الأهداف المتّبعة  ويضع  الكثير من التركيز على التجارة الحرة  بما أدّى إلى خلق مناخ من الشك والغموض والتردّد.
وفي الواقع  فمنذ 13 أكتوبر 2015  تاريخ بدء المفاوضات   كان التقدم محدودًا بين الترددات  والتأجيلات  والتساؤلات  حول قدرة تونس على مواجهة منافسة من الشركات الأوروبية  أو قدرتها على الصمود أمام  الواردات الأوروبية.
وقد أثر هذا بقوة على جزء من الرأي العام الذي شعر( وهذا من حقّه )  بالكثير من القلق  والخشية إزاء الجهود التونسية والأوروبية للتوصل إلى اتفاق عادل.

نمط نمو اقتصادي  منهك 
ومع نمط نمو اقتصادي  منهك  و في وقت تستعد  فيه تونس للانطلاق في تنفيذ خطة الإنقاذ الاقتصادي في إطار التعاطي مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية بعد أزمة " كورونا  " وتأمين عودة النشاط الاقتصادي والشروع في الإصلاحات الكبرى  فإن الوضع الراهن والجمود  الذي ميّز هذه السنوات الأخيرة  لم يعد خيارًا قابلاً للتواصل بالنسبة لتونس لأن عدم القيام بأي شيء سيجر البلاد أكثر إلى  دوامة جهنمية من  التضخم  والتخفيض  في قيمة العملة  و الديون  أو التداين والاحتجاجات الاجتماعية.
وبنفس الكيفيّة فإن الفلاحة التونسية يجب أن تكون معاصرة وحديثة بقطع النظر عن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لضمان أن تلعب دورها بالكامل في خدمة الاقتصاد التونسي ولكن أيضا بالنظر إلى مكانتها المهمّة جدا في التشغيل والتنمية الجهوية وحماية المحيط وكذلك التنمية الريفية والسياحة الريفية الجديدة. وطبعا سيكون هذا مع المحافظة على الموارد الطبيعية للبلاد وضمان دخل للفلاحين وعناية خاصة بالفلاحة الصغرى وبالسكان الريفيين من ذوي الدخل الضعيف .

* ضرورة تصحيح الوضع شكلا ومضمونا
من حيث الشكل ومع تغيير الفرق التي تقود وكبار المفاوضين في تونس وفي أوروبا سيكون مناسبا للبداية تغيير مصطلح " ALECA " بمصطلح " APTE "  الذي يعني اتفاقية شراكة لانتقال اقتصادي  يترجم بشكل أفضل طبيعة الشراكة والأهداف الحقيقية التي يبطنها هذا التقارب .
أما من حيث المضمون فإن جعل تونس قادرة ( أو بالتعبير الفرنسي rendre la Tunisie APTE)   يعني مراجعة طموحات سياسة الجوار بصفة واقعية ملموسة وتقاسم رؤية جريئة ومراكمة الفوائد والمصالح والاستعداد جيّدا والشروع في الإصلاحات الضرورية للذهاب ( بخطانا  نحن ) نحو اقتصاد السوق وإجمالا وباختصار ترك الجمود وتنشيط  مبدأ التعاون  والتآزر  من خلال  العديد من أوجه التكامل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
وتريد  المفوضية الأوروبية إثبات قدرتها على بث حيوية جديدة في أوروبا  بعد أزمة : كوفيد - 19 " وربما لجوارها كما تقول  رئيستها " أورسولا فون دير لين  " . فهي تريد استعادة قدرتها على المبادرة لتمكين أوروبا من توجيه التحولات الكبيرة التي يعرفها عالمنا.
ولا شكّ أن الاتحاد الأوروبي ودوله  الأعضاء  قد ساهما  بشكل كبير في مساعدة تونس منذ الثورة وعملا على أن  يبقى  اقتصادنا واقفا على قدميه. لكن اليوم نحن في حاجة إلى " الخروج من الماء " والقيام بقفزة  نوعية  والخروج من بوتقة البلدان متوسطة الدخل . 

وأمام هذا الوضع  سيكون على اتفاقية الشراكة  الجديدة ( APTE )  أن تشرك  الصين ومبادرتها الرائدة " طريق الحرير " الجديد من أجل تعزيز قدراتنا ( البنى التحتية - الاستثمارات - الإنتاج - اللوجيستيك ...) طالما أن الاتحاد الأوربي ليس قادرا أو لا يريد  أن يموّل كل هذه المسائل بمفرده .
وتتوقع سياسة الجوار الأوروبية الجديدة  إشراك " فاعلين  جهويين ( إقليميين )  آخرين حتى من خارج المنطقة  التي تشملها هذه السياسة إن لزم الأمر " .  وفي حالتنا هذه فإن الطرف المعني هو الصين دون التشتت في إطار متعدد الأطراف من أجل التركيز فقط على المثلّث تونس - الاتحاد الأوروبي - الصين .
ويمكن لهذا الرسم النموذجي أن يشمل في مرحلة لاحقة ليبيا والبلدان الأخرى في منطقة الشمال الإفريقي .

من يستحقّ إلى إطار تعاون موسّع ؟
يشهد العالم في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة وأساسية تميّزت بصعود قويّ للبلدان الناشئة والبلدان في طريق النموّ وكذلك بتسارع التكتّلات المتعددة .  وقد عرض الرئيس الصيني  "  XI Jinping " مجموعة من المفاهيم والمبادرات الهامة التي تعكس الفكر الصيني في الإجابة عن تحديات  هذا العصر . وتمثّل مبادرة " الحزام والطريق "  جوهر العرض الصيني .

ملاحظة : تطالعون غدا  الجزء الثاني من هذا المقال

التعليقات

علِّق