إلى مايا القصوري .. الاستسقاء عروج واستجلاب الرحمة وليس فلكلورا ولا شعوذة

إلى مايا القصوري ..  الاستسقاء عروج واستجلاب الرحمة وليس فلكلورا ولا شعوذة

 

نشر الشيخ الدكتور بدري المداني على صفحته الرسمية المقال التالي ردا على تصريحات مايا القصوري : 

مايا القصوري. أحترم فيك أنّك من نساء بلادي محاميّة مثقّفة وإعلاميّة محلّلة. ولا أحترم فيك جنوحك للتطرّف في بعض المواقف. فالحريّة الفكريّة لها ما يضبطها والتطرّف يصنع التطرّف ..والخوض في كلّ شيء وفي كلّ قضيّة يسقط صاحبه بالضربة القاضيّة ..والتطرّق للمسائل الدينية والعبادات وتصنيفها في خانة الشعوذة والفلكلور يعدّ ضربا من التجنّي والسقوط في وادي سحيق من الترّهات التي لن تجني منها ما يذكر وقد سبقك لهذا كثير ولكن التاريخ طوى صحفهم نسيانا وإهمالا..

فوزارة الشؤون الدينية وزارة لها سيادتها وهي وزارة سيادة لها مرجعيتها الدستورية والتشريعية ودينها الإسلام الذي هو دينك ولها قوانينها وقراراتها وإطاراتها وهي المشرفة على كلّ ما يتعلّق بالشعائر تنظيميا ..وقرار وزير الشؤون الدينية بإقامة صلاة الاستسقاء في زمن انحبست فيه الأمطار واحتاج النّاس لجرعة ايمانيّة تطفيء عطشهم قرار جاء لبثّ كثير من الأمن الروحي –باعتبار ذلك دورها وهي الضامن له عبر مؤسّساتها المسجدية ودعاتها - الذي تحتاجه النفوس كما تحتاج الأمن الفكري والجسدي والاجتماعي من بقية مؤسسّات الدولة...

قد يكون لومك موجّه نحو تصريح معيّن أو صياغة معيّنة لخبر تلفزي وهذا من حقّك.

إمّا أن تتصعّد مواقفك نحو الازدراء بثوابت الدين كالصلاة والدعاء والرجاء والتضرّع وعلاقة العبد بمعبوده فهذا من قبيل التسلّط المتوحّش .

ونحن مثلك ممن نحارب الأسطورة والدجل والشعوذة دون تطرّف ولا توحّش.

كما ندعو لفكر مستنير محرّر من قيود الوهن والتخلّف دون الدوس على الثوابت والنصوص ودون إحداث الفتنة والقلاقل في مرحلة تحتاج بلادنا من طبقتها المثقّفة التجميع والتركيز على القضايا الجوهرية التي تبني هذا الوطن الجريح. لا أن نجهز عليه هدما بالتصارع الممجوج والخلافات الجوفاء.

ونحن نؤمن بالعقل ونؤمن بالعلم ونؤمن بالنقل ونؤمن بالغيبيات في ذات الآن ..عقيدتنا أشعريّة صافية منبعها الأوّل الآيات المحكمات الواضحة الصريحة والمعقولات السليمة ..

انحباس المطر قد يفسّر من المنظور العلمي الطبيعي وما ذلك سوى جملة من الأسباب التي لا ننكرها لكنّنا نقف إجلالا لكلام ربّ العالمين الذي هو مسبّب الأسباب . لن نصدّق العلم وحده الذي هو نتاج بشري ولن نصدّق أقوالك التي تحتمل الصواب وغيره.

بل نصدّق قول الحقّ "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ" الشورى:28 .

بل نصدّق قول الحقّ تعالى "وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا"الفرقان:48-50.

بل نصدّق قول الحقّ تعالى" أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ"الواقعة:68-70.

ونؤمن بما قاله ربّنا جلّ وعلا " إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " سورة لقمان: 34

ونعلم أنّه إذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد، وسقِمتْ المواشي، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار، نصدّق قول الحقّ تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ"الملك:30، ونصدّقه حين قال "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا" الفرقان:77.

وهنا قال "لولا دعاؤكم" وصلاة الاستسقاء ليست شعوذة ولا فلكلورا بل هي الدعاء.

ثمّ لا ننسى أنّ الاستسقاءُ من سنن الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، قال تعالى:"وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ"الأنبياء:60، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-لأمّته مرّاتٍ متعدّدة، وعلى كيفيات متنوّعة، فإذا أجدبت الأرض وقحطت، وقلّت الأمطار وانحبست، فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-لطلب الرحمة والغيث.

فهل كان الأنبياء والمرسلون السابقون من المشعوذين؟ وهل كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم –حاشاه-مشعوذا أو من عناصر فرقة فلكلوريّة. ؟؟؟؟

وفي مسألة المعاصي وتسبّبها في انحباس المطر ...هذا ممّا لا نشكّ فيه علاوة على الظواهر الطبيعية فإن المسبّبات البشرية لا تنكر ولا تستثنى فالبشر هم من يحتاج إلى المطر والسقيا ..

فهل ما نحن فيه من انهيار القيم والفساد وأكل الحرام والرشوة والغش في المعاملات، وأكل أموال الناس بالباطل وأنواع الحِيل، وشهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل. سوى أسباب لهذا الانحباس وهذه نصوص قرآنيّة تثبت ذلك حيث قال تعالى" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ " الأعراف:96، فحريٌّ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا قال تعالى: "وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا" الجن:16.

فبالمعاصي تزول النِّعَم، ويحلُ الفقرْ، وتتوالى المحنُ والإحن، وتتداعى الفِتَن، وهذا ما نحن فيه لذلك قال الله الذي دعانا لمحاربة الشعوذة عبر هذه الآية -التي كانت من شعارات بورقيبة يستعملها في خطبه باستمرار وهو الذي أقيمت في عهده عشرات صلاة الاستسقاء ولم ينكرها - "إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" الرعد:11، ويقول سبحانه: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" الأنفال:53.

فهلاّ عاد إليك رشدك. وارفعي يديك وأقيمي صلاة الاستسقاء من قلبك فإنّها عروج واستجلاب الرحمات ..فلن ننعتك بالمشعوذة ولا بالفلكلوريّة ..وسيستجيب مولانا لك كلّما أخلصت التوبة والدعاء :

اللهمّ اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت؛ اللهم وأدِرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوّة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم إناَ خلق من خلقك فلا تمنع عنّا بذنوبنا فضلك. اللهمّ اكشف عنّا من البلاء ما لا يكشفه إلاّ أنت، اللهم ارحم الأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرتّع، والشيوخ الركع، وارحم الخلائق أجمعين من صلّى صلاة الاستسقاء ومن لم يصلّها.

 

التعليقات

علِّق