إلى رئيس الجمهورية : عودة اللغة الخشبية إلى وسائل الإعلام ستلحق بك الضرر وبيدك أن توقفها فورا

إلى رئيس الجمهورية : عودة اللغة الخشبية إلى وسائل الإعلام ستلحق بك الضرر وبيدك أن توقفها فورا

منذ بضعة أسابيع لاحظنا أن بعض الوجوه السياسية التي لم تترك قبل 25 جويلية أي منبر إعلامي إلا واستغلت  حضورها لانتقاد رئيس الجمهورية قيس سعيّد وكان بعض هذه الوجوه لا يكتفي بالنقد الذي نعرف أنه من حق أي بشر في هذه البلاد وإنما تخطّت ذلك إلى حدود أخرى لا علاقة لها بالنقد ومقارعة الحجة بالحجة.

هذه الوجوه أصبحت اليوم وبقدرة قادر من " أنصار " قيس سعيّد ... تدافع عن إجراءاته وتشرح أفكاره وتسانده في السراء والضراء.

وفي هذه الأيام لاحظنا كذلك تغيّر الخطاب الإعلامي في جلّه حيث بات معظمه يستعمل عبارات خشبيّة كانت مستعملة منذ عهد بورقيبة وعهد بن علي على غرار " بتعليمات من سيادته ...." أو " رئيس الدولة يأمر...." أو  " رئيس الدولة يكلّف ..."  وما إلى ذلك من عبارات تلغي كافة الأدوار التي يقوم بها مسؤولو الدولة وتضعها  بين يدي شخص واحد وهو رئيس الجمهورية .

وفي عهد بورقيبة على سبيل المثال ألغى " المطبّلون " أي دور لأي مسؤول مهما كان منصبه إلى درجة أن الإعلام جعل من الرئيس الرياضي الأول والممرض الأول والأستاذ الأول والمحامي الأول والفلّاح الأول والبحّار الأول ...وكل شيء الأول . وكان بورقيبة يجد في هذا " التمجيد " وهذه المغالطات نشوة كبرى ولم يسع ولو مرة واحدة خلال 31 سنة من الحكم إلى تغيير هذه العادة السيّئة رغم أنه كان يرك بفطنته أن كل ما يدور حوله مفبرك ومزيّف ومزوّر لصفحات التاريخ.

وفي عهد بن علي تواصلت اللعبة . ولم يكن على الإعلام ( في أغلبه طبعا وليس كلّه ) إلا أن يغيّر اسم بورقيبة باسم بن علي .وأتذكّر جيّدا أن بن علي قال ذات مرّة وعلى المباشر ( في تونس 7 ) : لا تقولوا كأس رئيس الجمهورية بل قولوا كأس تونس ... وبعد 3 أيام فقط جاء مقدّم الأحد الرياضي وقال : الآن نشاهد كذا وكذا من لقاء كأس فخامة رئيس الجمهورية ...

إن خلاصة القول أن الخطاب الإعلامي يصنع شخصيّة السياسي . فإذا كان الخطاب معتدلا فإن تصرف السياسي سيكون معتدلا. وإذا كان الخطاب مطبّلا سيتمادى  السياسي في التلذّذ بما يرى ويسمع وبكل تأكيد سيعود ذلك عليه بالسلب وقد لا يستفيق من غفوته إلا بعد فوات الأوان.

لقد تأكدت إذن عودة خطاب التطبيل والمجاملة أو حتى الخوف على غرار تلك العادة السيئة الموروثة منذ عشرات السنين في نشرات الأنباء حيث تستهلّ النشرة بأي خبر من نشاط الرئيس حتى إن كان ذلك النشاط لا يعني للمواطن شيئا ولا يرتقي حتى إلى المرتبة 100 في سلّم ترتيب أهمية الخبر في أية قناة  تحترم نفسها وتحترم المهنة في العالم .

وأمام هذه الوضعية أعتقد أنه من واجبنا إبداء بعض الملاحظات :

- إن فريق الاتصال برئاسة الجمهورية لا يبدو بكل صدق في مستوى المهمّة لأنه إما لا يفهم مهمّته بالتدقيق لأسباب عديدة منها قلّة الخبرة على سبيل المال وإمّا يساهم في العودة إلى العادات السيّئة والتناول الإعلامي الذي يسيء  إلى رئيس الجمهورية ولا ينفعه.

- على رئيس الجمهورية أن يتدخّل من أجل وضع حدّ لهذا  العبث والعمل بأسلوب الهواة وذلك من خلال تعديل فريقه الإعلامي الذي يبدو أنه لا يملك الحدّ الأدنى من الصراحة والجرأة اللتين تخوّلان لأفراده أن يقولوا " لا " للرئيس كلّما رأوا أن طريقة تناول أي خبر أو أي نشاط من الناحية الإعلامية  تضرّ به أكثر ممّا تنفع.

- على رئيس الجمهورية أن يعلن صراحة أنه يرفض خطاب لتمديد والشخصنة وأن " يأمر " هذه المرة كافة وسائل الإعلام المتزلّفة بالكف عن استعمال عبارات الخشب التي  أكل عليها الدهر وأظنّ أنه لم يشرب.

أما جوهر المشكل فهو أننا نعلم أن الرئيس ( وحتى بن علي في وقت من الأوقات ) لم يطلب من وسائل الإعلام أن تتصرف بهذا الشكل . فالبعض منها مستعدّ فطريّا لكافة أنواع السير في الركاب مهما كان " القائد " عملا بمبدأ شائع عندها وهو : الدنيا مع الواقف. ومع ذلك فإن بيد السياسي أن يلجم هذا التيار السلبي الذي لا يؤدّي إلا إلى القاع. وأعتقد أن الرئيس الذي يريد العمل بصدق يجب عليه أن يكون محاطا بمناخ إعلامي صادق.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق