إلى جمعية القضاة : من حقّكم أن ترفضوا وتحتجّوا لكن ما معنى شعاراتكم المكتوبة بالفرنسية والأنقليزية ؟؟؟

إلى جمعية القضاة : من حقّكم أن ترفضوا وتحتجّوا لكن ما معنى شعاراتكم المكتوبة بالفرنسية والأنقليزية ؟؟؟

نفذت جمعية القضاة التونسيين اليوم الخميس 24 فيفري 2022 مثلما نعلم  وقفة احتجاجية أمام محكمة التعقيب بتونس بدعوى  التصدي  لما اعتبرته ''استهداف السلطة القضائية وإخضاعها إلى السلطة التنفيذية''.

ورفع المحتجون جملة من الشعارات أبرزها "سلطة سلطة قضائية تحمي الحق والحرية"  "يا للعار يا للعار القضاء في حصار".

وللتذكير فإن جمعية القضاة كانت قد أقرت سلسلة من التحركات الاحتجاجية منها هذه الوقفة الاحتجاجية  وتأخير الجلسات بساعة وحمل الشارة الحمراء بشكل دائم إلى حين استعادة السلطة القضائية لمكانتها الطبيعية كسلطة من سلط الدولة واستعادة ضمانات استقلالها الهيكلية والوظيفية حسب رؤية الجمعية طبعا.

وبقطع النظر عن الشعارات ( الصحيح منها والمضلّل ) وعن مطالب الجمعية التي يتناقض بعضها أو جلّها مع نقابة القضاة التونسيين فقد أردت أن أشير إلى أمر مهمّ لا أعتقد أنه يشرّف أي قاض محترم وحرّ في هذه البلاد. فقد كتبت شعارات عديدة باللغتين الفرنسية والأنقليزية فهل كان ذلك من باب " استعراض العضلات اللغوية " لا غير أم كان من باب مناشدة  " الخارج " للتدخّل في شؤون الداخل؟؟؟.

أنا شخصيّا لا أميل إل  الفرضية الأولى لسبب بسيط وهو أن اللغة العربية كفيلة بإيصال المعنى والمضمون لكل التونسيين بمن فيهم رئيس الجمهورية المعني الأول بهذه التحركات. لذلك أميل إلى ترجيح الفرضية الثانية وهي أن الجمعية تطالب ضمنيّا العالم الغربي بأن يحشر أنفه في شأننا الداخلي الذي لا يهم القضاء " الخارجي " بل يهم القضاء في تونس لا غير.

وأعتقد أن هذا " الاختيار " خاطئ من أساسه لسببين على الأقل:

- السبب الأول هو أن لا  أحد من أحرار تونس ( قضاة ومواطنين وسياسيين ..) يقبل أن يستنجد أي تونسي بالخارج وأن يدعوه إلى التدخّل في شؤوننا مهما كان السبب ومهما كانت الخلافات بين التونسيين. وإذا كنّا نعيب على الأطراف السياسية التي وجدت نفسها مبعدة وأفلت زمام الأمور من بين يديها بعد 25 جويلية أنها تستقوى بالخارج في محاولة لاستعادة التموقع فإننا نعيب على القضاة المحتجّين أن يفعلوا ما فعل السياسيون من خلال طلب التدخّل في شؤوننا من قبل الخارج.

- السبب الثاني هو أن هذه الأطراف  التي يستنجد بها القضاة هي نفس الأطراف التي كانت تنقد القضاء التونسي قبل  25 جويلية ولعّلنا ما زلنا نذكر موقف فرنسا التي رفضت تسليم بلحسن الطرابلسي  بدعوى أن قضاءنا غير نزيه وغير محايد وأنه لا توجد ضمانات لمحاكمة عادلة لبلحسن الطرابلسي. فهل أصبح هؤلاء الذين كانوا يشككون في القضاء التونسي من " أنصار " القضاء التونسي اليوم حتى تلجأ إليهم الجمعية وتطلب مساعدتها في " حربها " مع رئيس الجمهورية ؟.

بقيت ملاحظة مهمّة نابعة من بعض المغالطات التي ما انفكّ البعض يروّجها في ما يتعلّق بمسألة المجلس الأعلى للقضاء.فقد سمعت إحدى القاضيات وهي تتحدث منذ قليل إلى وسائل الإعلام فظننت أن الرئيس ألغى المجلس نهائيّا ووضع جميع أعضاءه في السجن أو نفاهم إلى الصحراء الكبرى من خلال ما ادّعته عندما قالت إن الرئيس ألغى المجلس وبالتالي ضم السلطة القضائية نهائيا " تحت جناحيه " وقضى نهائيا على استقلالية القضاء. وهذا الحديث لا يحتاج إلى فلسفة كي نفهم إنه من باب الإدّعاء والتضليل. فقد أكّد الرئيس في أكثر من مرة ( ولست هنا مدافعا عنه ) أن  المجلس الأعلى للقضاء باق كمؤسسة دستورية ضامنة لاستقلالية القضاء وأن كل ما في الأمر أنه قام بحلّ المجلس الحالي بعد أن رأى أن أداءه هزيل وفيه الكثير من التجاوزات  مؤكّدا هذا اليوم بالذات أنه يرفض رفضا مطلقا التدخّل في القضاء في انتظار انتخاب مجلس جديد يكون أبعد ما يكون عن الشبهات ويكون بالفعل ضمانة حقيقية لقضاء عادل وناجز. أما محاولة الإيهام بأن الرئيس قضى على القضاء فهذا نسميّه بكل بساطة استبلاها للناس ومغالطة للرأي العام في الداخل والخارج.

ويبقى على القضاة وعوض الاحتجاج الذي لا يجدي ( خاصة أن يوحي بأن التمسّك بهذا المجلس بالذات ليس بريئا ) أن ينصرفوا لإعداد أنفسهم لانتخابات المجلس المقبلة . فإذا كانوا بالفعل غيورين عل  استقلالية القضاة ولهم الثقة في أنفسهم فليتقدّموا للانتخابات ويعملوا على أن تفرز مجلسا يمثّلهم ويكون حقيقة  دعامة للعدل والقانون والمساواة . أما ما زاد على ذلك فمضيعة للوقت والجهد تعود بالضرر على مصالح القضاة والمتقاضين.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق