إذا لم تستطع أن توفّر المال للشعب.. اجعلهم يكرهونه..!!!

إذا لم تستطع أن توفّر المال للشعب.. اجعلهم يكرهونه..!!!

 

تعليقا على الوضع السياسي في تونس والقرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد ، كتب المحامي والناشط السياسي عبد اللطيف دربالة المقال التالي :-

في ما يعكس بوضوح شعبويّة الرئيس قيس سعيّد.. واعتماده باستمرار على التلاعب بمشاعر الجماهير.. وتغذية الهلوسة التي تشغلهم بالقشور لاشغالهم عن جوهر الأمور.. فإنّ أوّل نقطة في إعلان إجراءاته الانقلابيّة على الدستور يوم أمس.. كانت إعلان وقف منح وامتيازات نواب ورئيس مجلس نواب الشعب..!!!

قبل حتّى ذكر أهمّ القرارات أهميّة وخطرا على مصير البلاد وحاضرها ومستقبلها..

-

قيس سعيّد يدرك أنّ هناك حساسيّة وعقدة من المال زرعها البعض (من السلطة ومن المعارضة ومن النخبة.. قبل وبعد الثورة) في أذهان ومخيّلة وفكر شريحة واسعة من التونسيّين.. وذلك بغرض تأبيد فقرهم ومعاناتهم ومنع احتاججهم عنها..

فأمام عجز الحكومات والنخب والقوى السياسيّة.. قبل وبعد الثورة.. عن خلق الثروة للشعب التونسي وتمكين الطبقات الدنيا من الحياة الكريمة بل والمرفّهة.. فقد تمّت شيطنة المال والثراء وحتّى مجرّد الاكتفاء..!!

بل واستعمل سلاح المال وأجور الرؤساء والوزراء والنواب من المعارضة أحيانا لتأليب الرأي العام وتحريك عواطف الشعب ضدّ السلطة..!!

هكذا فعوض تشجيع الناس على أن يكونوا مكتفين ماديّا وميسورين.. ويبلغوا قدرا من الرفاهيّة.. بل وحتّى أثرياء.. تمّ تشجيعهم على أن يحتجّوا على كلّ من يٌحَصّلُ مالا..!!

فلسان حال البعض هو أنّك إذا ما لم تستطع أن توفّر المال للشعب.. اجعلهم يكرهونه..!!

-

هكذا تمّت شيطنة المال خاصّة في المجال السياسي.. فأصبح قبض أجور ماليّة من النواب والوزراء ورؤساء الحكومة والجمهوريّة "تهمة".. وينظر إليه كسَلْبٍ للدولة ونَهْبٍ للشعب..!!!

حتّى أنّ جزء من الشعب التونسي يقيم الدنيا لنائب يحصل على أجرة ب3000 دينار أو وزير يحصل على 5000 دينار شهريّا.. ولا يرى مشكلا في لاعب كرة قدم لا مؤهّلات علميّة لديه يحصل على أجرة ب100 ألف دينار شهريا.. ولا مدرّب المنتخب الوطني الذي يحصل على 50 أو 80 ألف دينار شهريّا..!!!

-

لذلك رمى قيس سعيّد "قنيبلته" الشعبويّة تحديدا وعن قصد في أوّل نقطة من قراراته الكارثيّة الانقلابيّة على الدستور.. ليبتلع الناس الطعم.. وينسون باقي ما ورد بقائمة آليّات قيس سعيّد للاستيلاء على كلّ السلط وتنصيب نفسه سلطانا مفردا على تونس.. ويرقصون ويغنّون ويهتفون للزعيم المفدّى الذي أراحهم أخيرا من رواتب ومنح نواب البرلمان.. وفي ظنّهم.. أو "في أعماق اعماقهم" كما يقول "الزعيم الملهم".. أنّه بهذا القرار العظيم فإنّ تونس ستسبح في بحر من الأموال بمجرّد وقف أجور النواب.. وسيستغنى الشعب التونسي ويأكلون الكافيار ويدّخرون الذهب من هذه الأموال "المنهوبة" او "المبذّرة" التي وفّرها لهم الرئيس سعيّد..!!!

وكأنّ البرلمان وأجور النواب هو بدعة تونسيّة لا مثيل ولا وجود لها في بلدان العالم الأخرى.. المتقدّمة منها والمتخلّفة.. الديمقراطيّة منها والديكتاتوريّة..!!

-

للتذكير فقط.. فإنّ ميزانيّة مجلس نواب الشعب بنوابه ال217.. وبرئيسه ونائبي رئيسه.. وبجميع موظفيه.. وبسيّاراته وبكافة مصاريفه.. كانت في حدود 42,903 مليون دينار سنة 2021.. في حين أنّ ميزانيّة رئاسة الجمهوريّة لنفس السنة.. والرئيس الواحد والأوحد "في الداخل والخارج" كانت 169 مليون دينار..

أي انّ ميزانيّة رئاسة الجمهوريّة هي أربعة اضعاف بالتمام والكمال مقارنة بميزانيّة البرلمان..!!

ورغم ذلك فإنّ أموال البرلمان وأجور النواب هي التي نالتها الشيطنة لا أموال الرئاسة..!!

علما وانّ ميزانيّة مجلس النواب انخفضت بمبلغ مليون دينار عن سنة 2020.. في حين أنّ ميزانيّة رئاسة الجمهوريّة ارتفعت بمبلغ 29 مليون دينار (29 مليار من الملّيمات) كاملة ودفعة واحد في سنة واحدة مقارنة بعام 2020..!!!

أي زيادة بأكثر من 20% مرّة واحدة..!!!

يعني ذلك عمليّا أنّ كلفة كلّ يوم في رئاسة الجمهوريّة هي 463 ألف دينار (463 مليون من الملّيمات)..

ويعني أيضا أنّ كلفة القهوة التي يترشّفها "الزعيم" في مقهى المنيهلة ليبيّن لنا تواضعه والتحامه بالشعب في المقاهي البسيطة عوض المرفّهة.. وتستغرق منه ساعة ونصف من قصر قرطاج.. بموكب من السيّارات وعشرات الموظفين وأعوان المرافقة والحراسة من الأمن الرئاسي.. تتكلّف على نفس الشعب بآلاف الدنانير.. لقهوة "الاكسبريس" الواحدة.. أو لصورة رشفة الرئيس للقهوة..!!

لكنّ جزء من الشعب غارق وللأسف في الأوهام والأحلام.. وضحيّة الدمغجة والبروباغندا..!!!

بقلم : أ.عبد اللطيف دربالة

التعليقات

علِّق