أحمد أبو الغيط أمينا عاما للجامعة العربية: هل القرار نابع فعلاً من إرادة عربية حرة وهل هو رجل المرحلة؟

  أحمد أبو الغيط أمينا عاما للجامعة العربية: هل القرار نابع فعلاً من إرادة عربية حرة وهل هو رجل المرحلة؟

 

أعتقد بأنه لم يعد مفيداً التوقف عند الأسباب والدواعي لتعيين السيد أحمد أبو الغيط في منصب الأمين العام للجامعة العربية خاصة مع بداية العد التنازلي لقوى الثورة المضادة ولا عن الرسائل المنوي توجيهها من خلال هذا التعيين لآخر وزير خارجية لمصر قبل ثورة يناير.

فهذا التعيين وان كان شكلياً نظراً لحالة الجامعة حالياً والصلاحيات المحدودة للمنصب ونظرة الريبة والتوجس لدور الجامعة في الظروف الراهنة إلا أن هذا التعيين يرسل برسائل في غاية الخطورة خاصة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي وتجاه الشعوب العربية التي استماتت في الدفاع عن حقوقها وإن كان بأساليب وأدوات مختلفة حسب كل بلد.

إطلالة سريعة من حولنا تؤكد بأن الشعوب لن تعيد لعق ما تقيأته.

فدولة الامارات العربية المتحدة التي ترعى وتمول الثورات المضادة تعاني من صعوبات كبيرة ليس أقلها الخلافات التي لم يعد يخفيها المسئولون الإماراتيون من خلال الحديث عن انفراد الشيخ محمد بن زايد بالقرار وخوفهم من سياسة الهروب الى الأمام. وما تغيير الحرس الشخصي للشيخ خليفة في الآونة الأخيرة وتقليص رواتب الدبلوماسيين في الخارج إلا مؤشرات. وإذا أضفنا اليها تقارير الأمم المتحدة الأربعة حول الاختفاء القسري والتعذيب واستقلال القضاء والمحاماة وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وانتهاك حقوق الأجانب الذين يمثلون 90 بالمائة من السكان، يصبح من الواضح أن البلد مقبل على أوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات.

أما مصر فهي على حافة الإفلاس الاقتصادي التام، وما الانخفاض الكبير لتحويلات المصريين بالخارج وبدء اجراءات طرد العمالة المصرية من بعض دول الخليج إضافة لليبيا وانهيار السياحة وغياب الاستثمار وارتفاع الأسعار ومغادرة العديد من الشركات والبنوك الأجنبية للبلاد ورفض التعامل بالجنيه مع الخسائر المتتالية في البورصة إلا مؤشرات على ذلك، وقد أدت الى صعوبة دفع رواتب الموظفين  والى الارتفاع المتزايد لسعر الدولار مما جعل النظام يتخبط ويفتعل مشاكل مع كل الجيران باستثناء إسرائيل التي يُعتَبر دعمها عبئاً نظراً لسجلها في مجال الجرائم والانتهاكات الجسيمة في حق الفلسطينيين.

وسوريا مقبلة على تغييرات جوهرية لصالح الشعب الذي مازال جزء كبير منه، أو مما بقي منه في البلاد، مصراً على مطالبه بالحرية والكرامة رغم بشاعة الجرائم التي ارتكبت بحقه. فالانسحاب الروسي وان كانت أسبابه غامضة إلاّ أنه واضح أن بوتين أصبح غير قادر على تحمل كلفة الحرب سواء على المستوى المادي والسياسي في ظل موازين قوى جديدة تميل لخصوم النظام في دمشق. وتبيَّن لساكن الكريملين أن اعتبار سوريا أرض تجارب ومعارك مع الغربيين له كلفة باهظة على كل المستويات وخاصة في مواجهة العدالة الدولية وعجزه عن الرد عن التقارير التي توثّق الانتهاكات وتحدّ من تحركات القادة الروس المتورطين في سوريا.

أما في ليبيا فان الخلافات المتزايدة داخل معسكر حكومة طبرق وعجزها عن الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها للخارج وسكوتها على الاعتداءات الخارجية الذي استهدفت الشعب الليبي في أكثر من مرة يجعلها تفقد مقومات استمرارها. كما أن غياب الاعتراف الدولي بحكومة طرابلس وغياب الأمن والاستقرار في البلاد يجعلان المخرج الوحيد هو الاتفاق المبرم بين طبرق وطرابلس لإيجاد حكومة وحدة وطنية تجنب البلاد التمزيق والتفتيت.

وينسحب الأمر نفسه على اليمن التي رغم سلمية ثورة الشعب المسلح فانه عرف التدمير والقتل والتدخل الخارجي للجماعات المسلحة والدول المجاورة.  ولم يبق لليمنيين من مخرج إلا العودة الى الوفاق والاتفاق على خارطة طريق تُخرج البلاد من دائرة العنف والقتل والقطع مع تجار الحروب والمرتزقة.

أما في تونس، فانه وبالرغم من كل محاولات الثورة المضادة الرجوع عبر الترهيب والتهريب والإرهاب، فان أصوات العقل والولاء للوطن لازالت هي الغالبة، ولن يكون بمقدور أي كان تخويف الشعب من جديد أو اذلاله أو إهانة انجازه العظيم للثورة وبناء المؤسسات التي وجب العمل الآن على تفعيلها وتقويتها.

وتبقى بوصلة فلسطين هي المحدِّدة لوجهة المرحلة. وما الأداء الأسطوري لشباب الانتفاضة عبر كل وسائل النضال في الضفة والقدس والصمود الكبير للشعب المحاصر في غزة إلا رسائل واضحة لمن يريد تصفية القضية والتخلص من تبعاتها. فإن الشباب الفلسطيني اليوم هو من يحدد سقف الفعل والتحرك وهذا ما لم يستوعبه الكثير من الساسة العرب.

من هنا يصبح ليس خافياً بأن المتغيرات الأخيرة في المنطقة والعالم كانت تستوجب فهماً عميقاً ودقيقاً لما يحصل والتهيؤ والاستعداد لما هو آت لا محالة. والمصلحة العربية الجماعية في حدها الأدنى كانت تقتضي رجالاً آخرين يؤمنون بالمصالح المشتركة للعرب ويؤمِّنون عمقَهم الاستراتيجي ويتصالحون مع شعوبهم ولا يفرطون في الثوابت.  باعتقادي، لم يفهم أصحاب القرار بعد الاتفاق الإيراني الغربي، ولم يدرسوا بجدية أسباب النجاح الاقتصادي التركي، ولا التميّز الهندي أو الصيني، ولا العربدة الروسية المحسوبة، ولا الاتفاق الأمريكي-الروسي-الغربي في سوريا حاضراً ومستقبلاً، ولا تراجع أهمية الدور ألإسرائيلي.

لقد أصبح الآن واضحاً أن تعيين السيد أبو الغيط يأتي عكس التيار وفيه محاولة لتأمين مصير قُوَى الثورات المضادة وزعمائها ومصالحها. وللأمانة، فإنني أردت من خلال هذه الشهادة التذكير بالآتي:

1-  في يناير/جانفي 2010، كنتُ ضمن وفد برلماني أوروبي للإطلاع على الأوضاع في قطاع غزة بعد سنة من العدوان الاسرائيلي عليها. وبعد زيارة القطاع المحاصر، التقى الوفد بالسيد أحمد أبو الغيط باعتباره وزيراً للخارجية حينها وذلك لاستيضاح موقفه بعدما صدرت عنه تصريحات خطيرة وصادمة بحق الفلسطينيين المحاصرين في غزة الذين توعدهم بكسر أرجلهم إن هم حاولوا العبور إلى مصر.

وإثناء اللقاء وفي معرض حديثه عن سبب حصار غزة وتدمير الأنفاق ومنع وصول الدواء والغذاء الي الفلسطينيين، ذكر السيد الوزير بأن الأنفاق تستعمل لتهريب المخدرات والسلاح وموبقات أخرى تؤثر سلباً على الشعب ألمصري. وحصل نقاش حاد مع البرلمانيين الذين لم يتوقعوا هذا التحليل من وزير خارجية أكبر دولة عربية الذي أضاف بأن الدولة المصرية مستعدة لأي شيء من أجل حماية كرامة المواطن المصري والتصدي للذين يحاولون إفساده. وبأن مصر لن تكون ملاذاً أمناً لأهل غزة. وعندما ذكّره النواب بأن كلامه خطير وبأن أهل غزة محاصرون ويتعرضون لعقاب جماعي وبأن على مصر مسؤولية قانونية وأخلاقية وأن عليها فتح معبر رفح، كانت حجة السيد الوزير بأنه على إسرائيل ايجاد الحل وليس مصر مما أعتبِر عدم جدية وطرحاً غير مسئول من وزير من المفترض أنه مطلع على القوانين الدولية والأصول الدبلوماسية.

       وخلال الزيارة، قال أحد النواب: وددتُ أن أسأل السيد الوزير "في أي اتجاه يتم التهريب؟ المفارقة أنه على بعد مئات الأمتار من مقر الاجتماع في وزارة الخارجية، فوجئ الوفد بالأعداد الكبيرة من المصريين الذين ينامون على حافة الطرقات، فعلق نائب سويسري قائلاً الرجاء الطلب من السيد الوزير أن ينزل من مقر عمله ليرى كيف تهان كرامة الآلاف من المصريين وكيف ينتشر الفساد بعيداً عن الأنفاق وعن غزة التي تبعد مئات الكيلومترات.

وفي الحديث مع البرلمانيين الذين جاءوا من 15 دولة، كان يوجد شبه اجماع على أن النظام المصري في وضعية لا تسمح له بالاستمرار وبأن أيامه باتت معدودة.

وبعد سنة واحدة، سقط نظام حسني مبارك ورحل معه وزير خارجيته ورُفع الحصار جزئيا عن غزة، وشهد العالم تقاطر الوزراء والمسئولين العرب الداعمين للحق الفلسطيني خلال العدوان على غزة سنة 2012 مما أعتبر تمرداً عربياً على القوى الداعمة لإسرائيل.

2-   كنت قرأت أجزاء مهمة من كتاب السيد أبو الغيط حول تجربته وشهادته على فترة حكم حسني مبارك والتي تحدث فيها عن صناعة القرار المصري وحاول جاهداً الرد علي الاتهامات الموجهة للسياسية الخارجية في عصر مبارك. حاول الرجل أن يبرر تراجع دور مصر إقليمياً في الفترة الكئيبة أثناء توليه للخارجية المصرية 2004-2011 وكان صريحاً في كتابه وبيّن كيف كان نظام حسني مبارك وأنظمة دول الاعتدال أو الواقعيون العرب، كما يسميهم، يديرون سياستهم الخارجية وكيفية وطبيعة تعاملهم مع أمريكا التي سعت لإذلالهم واستعبادهم. الكاتب ذكر تفصيلات مهمة عن السياسة الخارجية لمصر في الثلاثين سنة الأخيرة ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها توقفت عن الفعل في العشر سنوات الأخيرة، وينسب ذلك الى توقف حسني مبارك عن العمل.

3-  لا أدري كيف نفسر جرأة البعض على منح الثقة لرجل يتْبع نظاماً يتهاوى بسرعة قصوى. فقد كنت اطلعت على قرارات وتوصيات المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية من مؤسسات تابعة للأمم المتحدة -- مثل مجلس حقوق الإنسان الذي طالب السلطات المصرية بوقف التعذيب والاختفاء القسري والإفراج عن الصحفيين والنشطاء والمدونين ووقف الانتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان؛ والاتحاد الدولي للبرلمانيين الذي جمد عضوية مصر فيه وطالب ببرلمان منتخب يمثل الشعب بكل اطيافه؛  والبرلمان الأوروبي الذي طالب بحظر المساعدات وتجميد الاتفاقات الأمنية والعسكرية بما فيها بيع الأسلحة؛ والكونجرس الامريكى الذي طالب بإصلاحات هيكلية ؛وعديد المؤسسات المانحة التي ربطت مساعداتها بإصلاحات حقيقية. هذا فضلاً عن تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي تندد كلها بالانتهاكات والتجاوزات، وغياب الإصلاحات، وتعطيل المؤسسات المنتخبة، وانتشار الفساد، وغياب العدالة، وتطبيق القانون، ومحاسبة المخطئين، وإلغاء قانون التظاهر، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون الكيانات الإرهابية، وكذلك قانون ألجمعيات، وإلغاء أحكام الإعدام الجماعية ضد أنصار جماعة الإخوان المسلمين وتمكينهم من حقوقهم كاملة.

في النهاية، فإن الخاسر الأكبر من هذه التسمية الغريبة والخطيرة لهذا المنصب على مصالح العرب هو الشعب العربي الذي تُعمِّق فيه مثل هذه القرارات الغير مدروسة الشعور بالغبن والتشتت والتبعية إلا أن التاريخ سينصف حتماً الشعوب وسيكون للعرب ممثلوهم ولجامعتهم رجالها. واني أدعو إلى تكوين تحالف عربي واسع من قوى وطنية شريفة للعمل على الغاء هذه التسمية المهينة وتسمية واحد يعبر فعلاً عن تطلعات المرحلة ويكون مدعوماً من بلد مؤثر وفاعل.

أنور الغربي
حقوقي وسياسي

 

التعليقات

علِّق