يهاجم المعارضة ويتجاهل من لا يتّفقون في الرأي مع السلطة : هل عاد الإعلام العمومي إلى " العهد النوفمبري " ؟

يهاجم المعارضة  ويتجاهل من لا يتّفقون في الرأي مع السلطة : هل عاد الإعلام العمومي إلى " العهد النوفمبري " ؟


يبدو أن العديد من  العاملين في  قطاع الإعلام العمومي والمسؤولين عنه  لم يفهموا بعد أن ثورة قامت في هذه البلاد للقطع مع كافة الأنماط الإعلامية السابقة التي كانت تفرض على الناس أن يستمعوا إلى الرأي الواحد للحزب الواحد الذي يعمل لمصلحة الشخص الواحد وذلك بالتوازي مع تقزيم كل من يخالف النظام حتى بمجرّد الرأي إضافة إلى حملات التشويه  وهتك الأعراض التي كان يقوم بها الإعلام العمومي بإيعاز من السلطة ضد كافة المعارضين في الداخل والخارج .
ومن خلال بعض البرامج ( وآخرها برنامج 75 دقيقة على الوطنية الأولى  للمنشط شاكر بالشيخ ) لاحظنا  أن الإعلام العمومي بدأ يحيد عن دوره  وبدأ يعود ويحصر نفسه في المربّع القديم من خلال الانحياز الواضح  لمن هم في السلطة مقابل  الهجمات المتكررة  والتشويه المتعمّد لمن هم في المعارضة أو يختلفون مع " الحاكمين " حتى في الرأي . ففي الحصة الأخيرة من برنامج " 75 دقيقة "   لاحظنا أن الحكاية أصبحت محاكمة لرئيس الجمهورية سابقا الدكتور منصف المرزوقي  وسامية عبّو من خلال ما تمّ تمريره من لقطات وتصريحات له ومن خلال تعليقات  المنشّط ومن كانوا معه دون استثناء حيث طغت نبرات الانتقاد والاستهزاء ولم يستطع  المتحدثون أن يخفوا بواطنهم فلاحوا منحازين  إلى أطراف السلطة وبالأخص إلى نداء تونس وإلى الرئيس الباجي قائد السبسي . ولعلّ ما لم يدركه  المنشط ومن معه أن القول " ميسز عبّو " (  Mrs Abbou )  مثلا يعدّ احتقارا وتحقيرا من شأنها  وليت الجماعة جادلوها بالحجة في ما قالت عوض التهكّم  الذي لم يخف  النهج الذي انخرط فيه هؤلاء . ولعلّ ما يعاب على المنشط شاكر بن الشيخ أيضا أنه لم يكن محايدا بالمرّة والحال أنه كان يفترض أن يلزم الحياد التام وأن يعيد كل من يخرج عن السكة إلى رشده . وما يعاب عليه أيضا أنه لم يعدل في دعوة الضيوف . فعندما نؤمن بالحياد وبدور الإعلام العمومي  وعدم الزج به في متاهات خدمة أطراف دون أخرى يجب أن نعدل في دعوة الضيوف فنأتي بهذا وذاك  لنمكّن هذا من الردّ على ذاك . أما أن تكون الحصة على نغمة واحدة وعلى وتيرة واحدة فهذا أمر غبر مقبول من وسيلة إعلام عمومية  ندفع نحن أفراد هذا الشعب  بمن فينا هؤلاء المعارضون  أجور العاملين فيها وكافة الامتيازات التي يحصلون عليها .
ولئن نفهم أو نجد بعض الأعذار لوسائل الإعلام الخاصة التي ينزلق بعضها في خدمة برامج و " أجندات " معيّنة  فينخرط في مهاجمة الآخرين ( رغم أن هناك ضوابط تفرض الحد الأدنى من أخلاقيات المهنة حتى لو كانت هذه الوسائل الإعلامية خاصة )  فإنه لا عذر ولا مبرّر أن تقوم وسائل الإعلام العمومي بحمل بوق الدعاية للسلطة اللهمّ إلا إذا كان العاملون فيها  والمسؤولون عنها ما زالوا لا يفرّقون بين المرفق العمومي الذي يخدم حياة التونسيين العامة دون حيف أو تحيّز وبين الإعلام الحكومي الذي ينطق بوجهة نظر الطرف الحاكم .
وفي كافة الأحوال ليس هذا البرنامج فقط من حاد عن الطريق إذ هناك برامج أخرى  أثبتت منذ بدايتها أن سيرها مختلّ وأنها جاءت لتخدم أفكارا معينة وأطرافا معيّنة  وما برنامج " جمهورية الثقافة " إلا عيّنة من هذه البرامج .
جمال المالكي

التعليقات

علِّق